محاكمة قتلة صالح بن يوسف : تفكيك جريمة مؤسسة لنظام دكتاتوري دموي

Photo

يوم 12 أوت 1961 قام النظام الحاكم في تونس باغتيال معارض بارز له هو صالح بن يوسف .الاغتيال تمّ الإعداد له و تنفيذه بمتابعة خاصة من كبار مسؤولي الدولة بدءا بوزير الداخلية الطيب المهيري وصولا إلى رئيس الدولة الحبيب بورقيبة.

وبالرغم من رصد وتتبع الاجهزة الامنية الالمانية للقتلة - حيث وقعت جريمة الاغتيال في المانيا - والاجهزة الامنية السويسرية- حيث انتقلوا مباشرة بعد اقتراف جريمتهم- ، فقد تستّرت كل من الدولتين على الجريمة ولم تقم ايا منهما بتتبّع او ايقاف المجرمين وهم :

- البشير زرق العيون

- حسن بن عبد العزيز الورداني

- عبد الله بن مبروك الورداني

- محمد بن خليفة محرز

- حميدة بن تربوت

بل عادت كل المجموعة المجرمة الى تونس و قام "المجاهد الأكبر" بتوسيمهم و شكرهم علنا في خطاب تلفزي مباشر ….تكريما لهم. وقد اعترف بورقيبة بأنه كان على علم بترتيبات عملية الاغتيال و زكّاها وكان ذلك في محاضرته أمام طلبة معهد الصحافة في 15 ديسمبر 1973 التي نشرت ضمن سلسلة محاضرات في كتاب عنوانه " الحبيب بورقيبة حياتي آرائي جهادي" (1979 ص279 (وقد جاء في هذه المحاضرة ما يلي: " كثيرون يتهمون بشير زرق العيون بقتل صالح بن يوسف بينما هذا الأخير لم يدخل ألمانيا وبقي في سويسرا فقد توجه رجلان علمت أنهما من الساحل إلى صالح بن يوسف وقالا له أننا ضابطان بالجيش التونسي ونحن على استعداد لاغتيال بورقيبة فابتهج بذلك قائلا "هذا ما كنت انتظره بفارغ صبر ع" .. وقد عرضا عليه الصعود إلى غرفة بالنزل وبحلولهم صوب أحدهما المسدس إلى أذنه وأرداه قتيلا وخرجا وتوجها حالا إلى المطار عملا بإشارة بشير زرق العيون فركبا طائرة قاصدة سويسرا ومنها إلى إيطاليا حيث التقيا بالبشير زرق العيون وهكذا تخلصت تونس من تلك الحية الرقطاء ".

واغتيال بن يوسف لم يكن جريمة معزولة ، بل كان ضمن مخطط مدروس لكبح جماح حركة الشعوب ولتصفية زعماء ورموز النضال الوطني المعادي للامبريالية ولأنظمة الاستعمار الجديد التي كانت تقام على أنقاض المنظومة الاستعمارية المباشرة المتهاوية.

فبالتوازي مع اغتيال بن يوسف وقعت تصفية الزعيم الكونغولي باتريس لوممبا والزعيم المهدي بن بركة .وجرائم تصفيتهم لم يقع هي ايضا الى اليوم فتح ملفّها .

وبعد 58 سنة على اقتراف جريمة اغتيال صالح بن يوسف ، افتتحت اليوم في تونس اول جلسات محاكمة قضائية للنظر في حيثياتها و تحديد مسؤوليات المشاركين فيها و القاء الضوء على فترة مظلمة من تاريخ تونس الحديث.

المحاكمة في رمزيتها ،لا تقتصر بالنسبة لي على ادانة قضائية بحتة للمسؤولين على الجريمة .

بل وأيضا على اعادة الاعتبار لزعيم من زعماء الحركة الوطنية وقع تصفيته بسبب خلاف سياسي مع راس النظام الحبيب بورقيبة بعد ان حُكم عليه بالإعدام في مناسبتين سنة 1957 ثم 1958 اثر محاكمات مفبركة ،وبعد تصفيته ماديا وقعت محاولة "فسخه" رمزيا من الذاكرة الجماعية التونسية .

المحاكمة هي محاكمة لجريمة مؤسسة للنظام البورقيبي.

وهي اليوم رسالة صريحة بانّ عصر طمس الحقيقة ولّى ، وانّ عصر الافلات من العقاب آن أوان طيّه في تونس. وذلك رغم كل عراقيل وضغوطات وآليات منظومة الاستبداد والدكتاتورية .ورغم مواصلة السلطات والحكومات المتعاقبة بعد ترحيل الدكتاتور بن علي، - وفي مقدمتهم الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي - طمس الحقيقة .

وكان ذلك اكبر دليل على أنّ المنظومة الحاكمة في تونس حاليا ومنذ 14 جانفي 2011 ، هي امتداد مُخز لـ"السيستام" الحاكم منذ بورقيبة الذي أنبنى و تأسّس على جريمة دولة في حقّ المقاومين الوطنيين الذين اغتيلوا أو اعدموا وفي مقدمتهم الزعيم صالح بن يوسف .

المحاكمة تُشكّل اليوم مصدر اعتزاز بان نضال أجيال من التونسيات والتونسيين من أجل الحرية والكرامة والعدالة عبر محاسبة كل من أجرم في حق تونس - لم يذهب سدى.

وهي تُشكّل اليوم مصدر اعتزاز بان دماء شهداء الثورة وجرحاها لم تذهب سدى ..وهذه محاكمة قتلة الزعيم صالح بن يوسف أولى ثمراتها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات