قمّة ..

Photo

البداية كانت في السابع عشر من شهر ديسمبر 2010 .. انتفاضة تحوّلت إلى موجة احتجاجية لم تهدأ إلا برحيل رأس النظام في تونس .. ثم انتقلت العدوى إلى مصر ، أكبر البلدان العربية سكانا ، ثم إلى اليمن فليبيا .. واختتم الربيع العربي موجته المتعثرة في أرض الشام مع بداية ربيع افرنجي لم يف بالوعود ..

وفي الأثناء ، لجأت بعض الأنظمة إلى تحصين أسوارها ببعض السواتر من التنازلات التكتيكية ، أو عبر سياسة التبنّي والتخريب بهدف احتواء المدّ الثوري في مهده ، قبل أن يشتدّ له عود ..

هذه هي الموجة الأولى للربيع العربي ، أو الاختراق الكبير للنظام الرسمي العربي ، النظام الذي رزحت تحته الشعوب العربية على مدى عقود وأورثها كمًّا من الهزائم والانكسارات قلّما جمعها تاريخ حضارة في حقبة واحدة ..

ولكنّه نظام كلب ، بسبع حيوات كما يقولون ، تلقّى الصفعات الأولى دون حراك ، حتى خلناه سيسقط بالضربة القاضية ، فإذا هو ينفض عن نفسه غبار الثورات مثل فرس النهر ويعيد الصفعة بأشدّ منها..

وفجأة يرتدّ الخوف الذي نزعه الثوار من قلوبهم إلى موضعه القديم ، ويتحالف الشرّ مع الشرّ ليكتسب قوّة غاشمة لا تعرف حدودا ، ويتواطؤ الغرب مع الشرق من أجل إبقاء هذه البقعة من الأرض خارج قوانين الجاذبية ، تَهِيم كما كانت ، خارج التاريخ ..

كان على النّخب الثورية أن تدرك خطورة الحركة الالتفافية للأنظمة العربية منذ أن أعلنت ممالك القطران انتصارها للمدّ الثوري وموّلته بالذخيرة والعتاد ، ولكن النخبة الثورية نفسها كانت أوّل من بدّل وخان بعد أن أعماها بريق البترودولار .

من نافلة القول أن القمم العربية تدخل في باب اللاقمم واللاحدث ، وأن الجامعة العربية ليست سوى رابطة لأنظمة تابعة ، حتى أنها لا تلتقي في مؤتمراتها العادية أو الاستثنائية إلا بعد إذن الراعي الرسمي و الوليّ الفقيه : الغرب المدنيّ الديموقراطي..

وليست قمّة بيروت 56 ، أو قمة اللاءات في الخرطوم ، وبغداد سنة 78 سوى آلية تقليدية لتنفيس التناقض الداخلي أو الاحتقان من أجل دوام النظام لا سواد عيون الشعوب .

اليوم ، تكتسي العاصمة التونسية أزهى ألوانها ، ويستعدّ قصر قرطاج الذي استعادته الثورة المضادة للعيد .. وأولى علامات الفرح تحوّل العاصمة بلافتاتها وفضاءاتها الإشهارية إلى شارع من شوارع مدينة الرياض !

اليوم ، يجتمع النظام الرسمي العربي في قمة تاريخية على أرض تونس ، مهد ثورات الربيع العربي . يجتمع الرؤساء والملوك ، المفدّى منهم وصاحب الفخامة ، خادم الحرمين وأمير المؤمنين ، السلطان السعيد والأمير المجيد ، المشير منهم والعقيد فقط ليرفعوا راية واحدة : راية الانتصار على الشعوب .

بهذا المعنى ، قمة تونس 2019 هي أولى القمم العربية التي سيحضرها الجميع عقب انتصار ، وأي انتصار ! . لقد قطع العرب مع عادتهم وأسسوا للقمة الحدث الأولى في تاريخهم ! .

هنيئا لهم ، ولا عزاء للوطن المغلوب.! هذا هو الانتصار الوحيد الذي سيذيلون به سيرهم الذاتية المتخمة بالهزائم .

لو قّدر لجماجم الثوار ، والأطفال والنساء والشيوخ أن تُجمع من كل أرض عربية وتُفرش على هضبة قمّرت ، لكانت جلسة القمة العربية فوق الغيوم والسحاب ! أليسوا ، كما يصفون أنفسهم أنصاف آلهة ، وأنبياء ؟ فلا عجب أن يكون فضاء قممهم أعلى من قمة افرست ، وأقرب إلى الله والسماء !!! .

للرؤساء والملوك أن يحتفلوا كما يشاؤون ، ولهم أن يشربوا الانخاب بقحاف جماجم الشهداء ، وفي بلد البوعزيزي تحدّيا وشماتة ، ولكنّي أكاد أجزم أن العاصفة الثورية لم تمت ، وأن الحكمة تقتضي أن يتابعوا النشرة الجوية للمغرب الكبير ، فالرياح القادمة من جبال الأوراس تنذر بالويل والثبور ! .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات