صَعْلكة الخطاب النقابي

Photo

قال بوعلي المباركي قبل أيام من الإضراب العام: الإضراب سيؤثر تأثيرا كبيرا على قطاعات هامة وحيوية، وإذا نُفّذ سيكون له تداعيات كبرى. رغم ذلك نفذوه..وأكثر من ذلك احتفلوا به.. وأكثر من كل ذلك..استماتوا في التأكيد على قدراته التدميرية واصروا على انه خلّف خسائر فظيعة أكثر مما اعلنت عنها الحكومة!!!!!!!!!!!!!!!!!!

"ما تلعبوناش. تضربولنا عالطيارة.. لعب ذري.. ما ولداتوش أمو.. انفجار اجتماعي ..انزلاقات .. وضع لا يمكننا السيطرة عليه.. في بالهم جايين يلعبوا مع الاتحاد..ما تقدروش علينا..التسخير بلوه واشربوا ماه..اخترتم المعركة مع الاتحاد ونحن لها.." تلك هي لغة الطبوبي وذلك مبلغه من سوق الألفاظ، ذلك مبلغ علمه بمصلحة الوطن والوطنية والمشترك، يخاطب الأمين العام ومكتبه التنفيذي تونس كما خاطب هولاكو مكتبة بغداد.

حين تشتبك الحارزة مع صاحبة الحمام عادة ما تراعي لقمة عيشها ومصلحة الحمام، وحين تتشاجر مع حريفة مماطلة تحصر مساحة الصراع حفاظا على بقية الحريفات، واذا تطورت المناوشات الى شجار تحاول تجنب الأماكن المكتظة مثل المطاهر والبيت السخونة..حتى عندما كان الحوار يدور بين قبائل التوتسي والهوتي كان يتخلله بعض المشترك..

حين اشتدت ازمة خليج الخنازير كان كينيدي مثل خروتشوف، كل يتخير عباراته لكي لا تلتهب المنطقة فيلتهب العالم.. سهيل بن عمرو مبعوث قريش، كان اكثر ادبا في خطابه من بعثة البطحاء واقل تهورا منهم، لما كان يحاور الرسول صلى الله عليه وسلم، حينها تمكن الكفر في عنفوانه والإسلام في طهره من عقد صلح جنبهم الخسائر البشرية والمادية..كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي سرايا القتال قبل خروجها "سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تغلواو لا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها وأيما رجل من أدنى المسلمين"،

بينما قال الطبوبي ان الاضراب نجح برا وبحرا وجوا، وقال سمير الشفي ان الاضراب تجاوزت 90 % وأن كل المعنيين نفذوا الإضراب بامتياز وانضباط والتزام، انها نسبة غير مسبوقة فاقت كل التوقعات!!!

يتبجح الشفي بنسبته الغير مسبوقة لا في عهد دكتاتورية بورقيبة ولا بن علي، غير مسبوقة من حيث تعطيل مصالح المجتمع وحبس الناس في المطارات، ومنع الطائرات من الاقلاع باستعمال الميليشيات وحبس التلاميذ في بيوتهم لمنعهم من طلب العلم وحبس الاقتصاد عن النمو والتلويح بالعين الحمراء في وجه الاستثمار، انهم يتلذذون بعذابات المسافر والمريض وصاحب الحاجة والولي الذي يرى مستقبل اولاده في مهب الريح ..انهم يصفون الخسائر الفادحة بالامتياز..

غريب أمر هؤلاء، لا يعترفون بالخطوط الحمراء في خصامهم، ولا يهمهم انهيار كل الوطن من أجل الفوز بشحمة من فخذ الوطن!! ليس من روادع اخلاقية ولا ادبية ولا وطنية تقف امامهم، حتى ابو جهل حين صفع اسماء بنت ابي بكر وهو في حالة غليان، ندم واحس بالعار، وطلب من رفاقه ان يكتموا عليه حتى لا يفتضح امره عند قريش، وقيل انه ارسل يسترضي اسماء. كما قيل أن زوجته أم مجالد بنت يربوع الهلالية، حينما كان زوجها يكيد للدعوة الإسلامية ويلاحق اخبار المهاجرين الى المدينة، كانت على علاقة صداقة وربما مساعدة مع الكثير من المسلمات اللواتي لم يهاجرن مع ازواجهن.

هل يدرك الطبوبي ان الخصام بين الأعداء تحكمه حدود العرف والتقاليد والمصالح المشتركة، هل يعلم أن عمرو بن هشام"ابو جهل" مع عتاة مكة، الحكم بن العاص، عقبة بن أبي معيط، النضر بن الحارث، أمية بن خلف، زمعة بن الأسود، طعيمة بن عدي، أبو لهب، أبي بن خلف، نبيه بن الحجاج، منبه بن الحجاج وغيرهم ، حين قرروا اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقتحموا عليه البيت وإنما اتفقوا على انتظاره في الخارج، وحين تأكدوا ان علي بن ابي طالب خدعهم وسفه القيادة المركزية لدار الندوة وجعلها اضحوكة، لم يمسوه بسوء، كانت حاجتهم لدى الرسول وليس غيره، بينما حاجة الامين العام و"جبهته المرضعة" لدى تونس وعلى تونس برا وبحرا وجوا، لدى شعبها واقتصادها ومقدراتها وثورتها وتجربتها، ولو كان بأيديهم إيقاف تدفق واد مجردة لأوقفوه !

عندما ترى السرور ينط من أعينهم، والنشوة تغمرهم والفرح يؤزهم من تفاقم الخسائر، تتأكد انه لو كان بأيديهم لأرسلوا على تونس الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. لان الأمر لا يتعلق بالمطلبية التي تبحث عن تحسين أوضاع بعض تونس، مع مراعاة كل تونس، بل هو الحقد الاعمى الذي يبحث عن تدمير كل تونس بتعلة بعض تونس، انهم يفرحون بالخسائر من جراء الإضراب كما فرح الشعب بالحرية من جراء الثورة، يوم عيدهم هو اليوم الذي تنهار فيه البلاد، ويوم عيدنا هو اليوم الذي ينهار فيه أعداء البلاد..

اليوم تمايزت الصفوف ولاح صديقها من عودها، تبين المشفق من الشامت، هذه تونس فمن فرح لثورتها وحريتها وكرامتها وانتقالها الديمقراطي وسعى الى تشييد لبنة وزرع فسيلة، فذلك من فلذاتها، ومن فرح بخرابها وطرب لانهيارها وسعى في ارضها الفساد، فذلك هو ألدّ خصومها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات