ما بقي من "راس العام"…

Photo

كان والدي في راس العام يشري دجاجة (بابا ما ياكلش دجاج الحاكم وما يشريهش وما يقربوش)... تبعثها أمّي لجارنا يذبحها وتسخّن الماء وتريّشها وتغسلها ومن بعد تحطّ في وسطها رأس بصل وعرشة معدنوس وسنينة ثوم وتخيطها وتحطّها تغلي في bouillon مع شوية ملح ونفّة فلفل أكحل ومغيرفة كركم وكيلة زيت وكعبتين طماطم... من بعد كيف قريب تطيب تهزّها وتحطها في الكسكاس تبرد شوية وتدهنها بشوية زبدة وتحمّرها في "الفور" قبل ما نشري غاز بالفور كانت تحطّها في الطنجرة إلّي تقلي فيها الفريت، تتحمّر شوية وتغطّيها باش تبقى سخونة. وهاكا bouillon ترشّ عليه شوية شربة لسان عصفور وإلاّ cheveux d'ange …

تعمل خبزة ببسكوت سيدة منقوع في القهوة مع كرديانة بأبيض البيض والسكر، وزبدة مركوضة مليح مع سكر فانيليا، وشكلاطة مذوبة في صحفة بلاّر مع شوية زبدة فوق كسرونة بالماء السخون ... وتخرّج من التركينة كعيبات زلّوز تقشّرهم وتقليهم وتهروشهم وتزين بهم خبزة راس العام... ساعات يبدا عندها كعبة وإلاّ اثنين بانان تزيدهم للروسات....

في الليل تتسكّر البيبان وتشعل المجمارة وتتحطّ "الميدة" في بيت القعاد قدّام التلفزة وندورو كلّ واحد متغطّي بفرّاشية (ما كانش حاجة اسمها كوفيرتا ولا كوات فقط فرارش الصوف)... تحطّ أمي قدّام كل واحد نصيبه (كل زوز في صحن موش كل واحد وصحنه) الأفخذة لأخوتي الأولاد وأنا وأختي تقسم لنا الصدر وهي تمشمش الجناحات والعنكوش (بابا ما ياكلش دجاج الحاكم يكتفي بالشربة وأحيانا امي تعمل له حاجة special... )

تهز أمي الميدة وما نتذكرش كنّا نغسل يدينا وإلاّ كلّ واحد ما يتزحزحش من بقعته يعمل مارش أريار ويرجع على الجراية... ويزيد يتغطّى وتبدأ (تك تف تك تف) قلوب قرع وقلوب سوداء وكانت هناك قلوب مخططة بيضاء وسوداء، وشوية حمص (زادة ما عادش موجود كبير وهشوش).... وتتعدّى السهرية اليدين في اتجاه أمّي: (أمان زيدني شوية أنا بايي وفاء) وكانت تفرّق علينا بايها وساعات تأخذ من عند هذا وتعطي الآخر... وإلّي يهزو النوم الباي متاعه يتوزع…

تقول لنا أمّي "لوّحوا القشور على الكليم ميسالش تو أنا الصباح نلمّد"...

خبزة البسكويت غالبا نرقدو قبل ما يجي دورها وتبقى للصباح...

كلّ واحد يبدأ يتسرسب حتى يلقى روحه ممدود ويهزّه النوم على بقعته... يكمّل بابا وأمّي الفرجة على السهرية في التلفزة، تسكّر أمي التلفزة وتدور تغطينا وتقعّد لنا مخدتنا وتسكّر الأضواء وتمشي ترقد. بعد ما تعمل دورة وعكلة في الكوجينة.

الصباح نقوموا قلوبنا الصغيرة فرحانة ودفيانة لكن متأسّفين لأنّ راس العام تعدّى وأحنا راقدين.... آه حبيت نوصل لنصف الليل أما ما نجمتش علاش ما قيمتناش؟ آش صار؟ طفّوا الضوء في التلفزة وقعدوا يحسبوا من واحد لعشرة حتى دخل العام الجديد!!!

كبرنا وما عادش نحبوا الماكلة على "الميدة" ولا الجلوس على الجراية وحكمنا على أمي تنحّي الجلود وتبدّل الفرارش بكواتات وتفصل بين فضاءات النوم وفضاءات السهرة ..ورائحة الأكل في غرفة الجلوس ولاّت تقلقنا والدجاجة المحمّرة عوضتها دجاجة جاهزة والشربة ما عادش تناسب ذوقنا وخبزة البسكويت جبنا في بقعتها gâteaux gourmandise ... وخواتي الأولاد ولّوا يبرمجوا مع صحابهم وبابا ما عادش يسهر معانا عمل تلفزة في غرفة النوم وبدأ يشعر بالبرد... وبقيت أمّي كالدجاجة إلّي تحاذي في فليلساتها.

زدنا كبرنا وكل واحد عمل فلالس وبنى عشّ مُستقل ... أمّي توفاها الله ولحق بها بابا.... ومع ذلك إلى الآن أنا وأخوتي دفيانين بفضل مجمارة أمّي وعايشين على ذكريات راس العام تحت جناحات أمّي…

لا شيء ألذّ من الشربة الزعراء متاع دجاجة راس العام إلّي كانت تحمّرها أمّي في الطنجرة الأليمنيوم.... وكان بابا يشريها حيّة باش ما يحرمناش من "دجاجة راس العام" إلّي كان يكره الريحة متاعها...

الله يرحمكم ويجعل عضيماتكم في الجنة... بفضلكم مرّت السنون ولم نشعر بالجوع ولا بالبرد…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات