أستراليا والحاخام إيلي شلانغر

عندما تقوم إسرائيل باغتيال شخصية عربية (قائدا سياسيا أو عسكريا أو علميا ) فان التركيز الإعلامي الغربي يتجه نحو "تكريس الإعجاب بقدرات الاختراق الاستخبارية الإسرائيلية من ناحية، والتركيز من ناحية أخرى على " أوزار" الضحية القيادية العربية بشكل يجعل اغتياله أمرا طبيعيا ، كما يجري التعتيم نسبيا على بقية الضحايا من المدنيين من ناحية ثالثة.

بناء على ما سبق، دعونا نتبنى "المنهجية الغربية" السائدة لمتابعة الهجوم الذي وقع هذه الأيام على حفل يهودي في سيدني يُقتل فيه حوالي 16 شخصا وعشرات الجراح.

أولا : من هي المنظمة اليهودية التي رعت الحفل:

1- إنها منظمة "دينية يهودية متطرفة تسمى حباد( وهي الحروف العبرية الأولى لمفردات الحكمة والمعرفة والفطنة) ، وتتبنى"حباد وأحيانا تكتب حاباد"(Chabad ) فكرة ان فلسطين كلها هي ارض إسرائيل ولا بد من استرجاع اليهود لها كلها وطرد سكانها من العرب ، وهو توجه يتناقض مع كل توجهات القطاع الأكبر من التوجهات الدولية والشعبية في العالم.

2- من بين القتلى اليهود الحاخام الإسرائيلي مبعوث حركة حاباد الارثذوكسية اليهودية وهو الحاخام إيلي شلانغر، وهو ممن ساهم في حملات جمع التبرعات اليهودية للاستيطان من خلال منظمة حباد، بل والتقط صورا مع الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة وليس بعيدا عن المنزل الذي حولته منظمته(حباد) الى مقر لها في خان يونس خلال احتدام معركة الطوفان الحالية.

3- هل يُعقل أن منظمة يهودية يمينية متدينة لها أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة فرع في 92 دولة في العالم تعمل على التواصل مع اليهود في هذه الدول لتشجيعهم على الهجرة ،وتجمع المعلومات عن مجتمعات هذه الدول ،هل يعقل إنها تعمل دون التنسيق مع الموساد الإسرائيلي؟ ولتدعيم هذا الاعتقاد ،كيف نفسر:

أ‌- مقتل الحاخام اليهودي زيفي كوغان(عضو من منظمة حباد) بعد اختطافه في دولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر من العام الماضي.

ب‌- مقتل احد اكبر رجال الأعمال اليهود في منظمة حباد وهو زئيف كيبار في مصر قبل الهجوم على الحاخام كوغان بحوالي نصف عام.

ت‌- مقتل الحاخام إيلي شلانغر مبعوث منظمة حباد الى أستراليا وراعي الحفل الأخير يوم امس.

ثانيا: بغض النظر عمن يقف وراء الهجوم، فان توظيف الهجوم لصالح إسرائيل من خلال " الأسطوانة المعروفة بمعاداة السامية امر متوقع تماما، وهو ما جعل نتنياهو يتعجل استغلال الحدث لإعادة تشغيل الأسطوانة، وهنا لا بد من التوقف عند بعض المؤشرات:

أ‌- "يقول مناحيم بيغن (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) في كتابه "الثورة" أن المنظمات الصهيونية كانت تقوم بعمليات تفجير في العراق في الأربعينات من القرن الماضي ،ثم توزع منشورات بعنوان"تحرير العراق من الغرباء" بهدف زرع الرعب داخل اليهود العراقيين وتشجيعهم على الهجرة لفلسطين، ذلك يعني أن الاعلام الإسرائيلي الذي اقر قبل أيام بالشروع في بناء 19 مستوطنه جديدة في الضفة الغربية سيرحب باي قدر من يهود أستراليا الذين يتراوح عددهم بين 125-127 الف يهودي.

ب‌- كنت سابقا قد نشرت دراسة مطولة عن العلاقة بين حدة حملات معاداة السامية وتشجيع الهجرة اليهودية لإسرائيل وبين تراجع التأييد لإسرائيل لدى الرأي العام الدولي، وتبين ان معدل الترابط عالي جدا(كان القياس بين عامي 2004 و 2018)، (الدراسة منشورة في مركز الزيتونة عام 2021)، فإذا علمنا أن مستوى التأييد في الرأي العام العالمي حاليا لإسرائيل هو الأدنى في تاريخها ، فان من الطبيعي أن يبادر نتنياهو لتشغيل أسطوانته ، لان هذه الأسطوانة تعني في مضمونها نداء الى اليهود بانه ليس لكم مكان آمن إلا في إسرائيل ، ولمن يبحث عن المزيد من الدلالات في هذه السياسة أن يعود الى كتاب :
Haggai Eshed-Who gave the Instruction

حيث يكشف الكاتب(الكتاب ممنوع في إسرائيل) عن منظمتين تابعتين للموساد هما منظمة Fortress التي أوكل لها تهجير يهود الدول العربية، ثم منظمة Nativ التي أوكل لها مهمة تهجير يهود أوروبا والاتحاد السوفييتي، وتفرع عن هذه المنظمة فرع لها اسمه Bar تخصصه التجسس عبر الغطاء الدبلوماسي.،كما أن كتابات يوهان غالتنغ(احد ابرز علماء علم الاجتماع السياسي و الدراسات المستقبلية الامريكيين ) كشفت عن دور إسرائيل في الهجمات في النرويج عام 2011.

ت‌- تسعى “إسرائيل” إلى توظيف وقائع معاداة السامية لإعادة تعزيز الترابط بين يهود الخارج وإسرائيل”، خصوصاً في الولايات المتحدة ، فمعلوم أن نسبة انتقاد يهود الولايات المتحدة للسياسات الإسرائيلية تتزايد، وهو أمر لا تراه “إسرائيل” إيجابياً، لكن معاداة السامية ستشد هذا الجمهور اليهودي ثانية لإسرائيل”، فكثيراً ما يتم استخدام تعبير السامية لتأكيد الهوية القومية لليهود، خصوصاً غير المتدينين منهم، فالعلماني اليهودي في أوروبا أكثر تقبلاً لفكرة “العرق السامي” لأنها تكثف المضمون القومي على حساب المضمون الديني الذي ليس له المكانة نفسها في المنظومة المعرفية لهذا العلماني، وقد نبهت استطلاعات الرأي العام الدولية صناع القرار في الحكومة الإسرائيلية إلى أن نسبة النزعة الدينية بين اليهود خارج “إسرائيل” تتراجع، إذ بينت أحد هذه الدراسات أن 38% من يهود العالم يعدّون أنفسهم متدينين، مقابل 54% غير متدينين و2% ملحدين، وهي صورة تتناقض مع نسبة التدين في “إسرائيل”، وعليه شعرت النخبة الحاكمة في “إسرائيل” أن تعبير “معاداة السامية” له صدى أقوى من تعبير “اليهودية” في صفوف يهود الخارج، ومن هنا أصبحت الأدبيات الصهيونية تركز على التعبير العرقي في الخارج أكثر من التعبير الديني قياساً بالمراحل السابقة، فاليهودي غير المتدين أقل قابلية للإقدام على الهجرة لدولة دينية، لكن اليهودي “الإثني أو العرقي” أكثر قابلية عندما يُصنف بانتمائه للسامية. وتشير الدراسات المتخصصة في هذا المجال إلى أن الصهيونية تستخدم تعبير السامية في دول أقل عناية بالأصل الديني للفرد، بينما تستخدم تعبير اليهودية في الدول التي تولي أهمية للتراث الديني، وقد تناول الكثير من الباحثين، لا سيّما الغربيين منهم، هذه الازدواجية في الأدبيات السياسية الصهيونية، وفي مرحلة لاحقة تمّ الربط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية واعتبارهما وجهان لعملة واحدة، وتمت ملاحقة عدد من الكتاب والسياسيين في دول أوروبية ممن انتقدوا الصهيونية وتمّ اعتبار انتقاداتهم للصهيونية شكلاً من أشكال معاداة السامية.

أخيرا:

تميل الكتابات والتحليلات الصهيونية حاليا الى اتهام "ايران" بانها تقف وراء هذه الهجمات سواء بقرار منها أو بتكليف لأطراف محورها، لكن إسرائيل تلتزم في إدارتها الصراعية بمحاولة توظيف أي حدث(من صُنعها أو صنع غيرها) لصالحها

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات