من بين المراجع التي أسست لعلم النفس السياسي كتاب قديم وضعه المفكر القانوني الفرنسي "اتيان دولا بويسي" وعنوانه "مقالة في العبودية المختارة "، وهو محاولة لفهم سيكولوجية الاستبداد ، ويصل في خلاصة مناقشته الأكاديمية قبل قرابة خمس قرون الى ان مشكلة الاستبداد في جوهرها تكمن في المجتمع وليس في المستبد ، وبين المستبد والمجتمع قناة تواصل قوامها فئة من الحاصلين على مؤهلات "الاستذكاء" مهمتها أن تقنع الجمهور بثقافة الخضوع وتكريسها، وتدريب المجتمع على المعاناة والصبر بدلا من المعارضة .
إن الثقافة التي غرستها "نخبة أوسلو" هي ثقافة العبودية المختارة ، فهي ثقافة يروج لها "المتملقون" بتعبير "بويسي" ،فهم يموهون أدبيات نتائج طوفان الأقصى ليبرر عبوديته المختارة، ويحمل المطالب بحريته مسؤولية "الخسارة المادية" التي تمثل في المنظومة المعرفية لهذا "المتملق" الركيزة الأساسية، فهو يريد كرسيا بجوار سيده ليحافظ على لمعان حذاء السيد بتعبير "بويسي" ، حتى لو كان ذلك السيد هو الشخصية المعروفة في التراث العربي المعروف ب "هبنقة" .
هذه الطائفة من جمهور "العبودية المختارة"، هي خاضعة لظروف كل ما فيها "عبودية "، لكنها تقتات على معاناة شعبها لأنها تجلس بجوار كرسي هبنقة، وتطالب الشعب بالصبر والتحمل "وهو المعنى المخفي للمطالبة بالخضوع" ، فالضفة الغربية فيها كل ظروف القهر التي تحرك الميت والمشلول، لكن طائفية العبودية المختارة لا تريد انتقال نموذج غزة اليها لكي لا تفقد "عبوديتها المختارة "، لذلك "تتذاكى" وتوجه ضمنيا دعوات "القبول بالعبودية المختارة" لأهل غزة ،وتغلف هذه الدعوة بأدبيات العقلانية والحكمة .
ويكفي أن نقف أمام الوضع في الضفة الغربية خلال فترة 2023-2025 لنكشف أن ثقافة " العبودية المختارة " تخدر الشعب بأفيون حكمتها ، ولن اعتمد في كل ما سأقدمه على أي مرجع فلسطيني، على التقارير الأممية ومؤسسات حقوق الإنسان بل ونشرات السفارة الأمريكية في إسرائيل ومنظمة العفو الدولية ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش ووكالة الغوث...الخ.، وهذه هي صورة الواقع:
1- استشهد في الضفة الغربية منذ 2023 حتى منتصف الشهر الحالي 1071 شهيدا، منهم 215 طفلا، وهؤلاء الشهداء معظمهم معيلون لأسر .
2- 10 آلاف و72 جريحا منهم 407 جراحهم خطيرة.
3- 19 الف و 788 معتقلا منهم 588 طفلا.
4- تم هدم 1779 مبنى عقاري بواسطة الاحتلال .
5- تدمير أو حرق أو تحطيم 757 مزرعة ،والاعتداء بالضرب على 1400 مزارع.
6- يبلغ المعدل الشهري لقطع أشجار الزيتون في مواسم القطاف حوالي 2500 شجرة.
7- تشريد 6200 فرد من بيوتهم لأسباب لا حصر لها.
8- نسبة التزايد في هجمات المستوطنين على الأفراد والممتلكات تزايدت خلال 2025 بمعدل 13%.
9- هناك 198 الف دونما من الأراضي ممنوع على أي مواطن فلسطيني دخولها.
10- ازداد عدد مباني المستوطنات 21 الف وحدة سكنية داخل الضفة الغربية.
11- تحتل المستوطنات (مبانيها ومرافقها وطرقها) مساحة تصل الى 1864 كيلومتر مربع، وتشكل 33% من مساحة الضفة الغربية(أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة غزة).
12- هناك 898 نقطة تفتيش أو بوابة على مداخل القرى منها 255 تم وضعها خلال العامين الماضيين.
13- معدل الذين يخضعون للتفتيش عند نقاط التفتيش الصهيونية هو 170 الف يوميا.
14- معدل الزمن لوصول الفرد الفلسطيني لوجهته التي يسافر لها داخل الضفة الغربية تصل الى 4 أضعاف الحالة العادية.
15- معدل حصول المستوطن اليهودي من مياه الضفة الغربية يقارب سبعة أضعاف الفلسطيني.
16- تراجع معدل دخل الفرد الفلسطيني خلال الفترة من 2023 الى 2024 بمعدل 26%، وخلال الفترة من 2024 الى 2025 بمعدل 32%، أي أن دخله تراجع 58% خلال الفترة كلها.
فإذا أضفنا لكل ما سبق أن إسرائيل حسمت أمرها بعدم قيام دولة فلسطينية، وان الاستيطان سيتزايد ، وان النظام المصرفي الفلسطيني سيتم شله تماما، …وأن البحث جار للتهجير …هنا نسال: تعيبون على من رفضوا "العبودية المختارة" ..فهل لكم أن تقدموا لنا إنجازاتكم، وماذا بقي من وعود أوسلو…أرجو توجيه السؤال لهبنقة