التماس عفو عن خطيئة النظام

فجأة صار طلب العفو الرئاسي لمعتقلين أولوية أنصار السلطة والمنتفعين منها، ودون أن يعترف هؤلاء بصفة معتقل الرأي أو المعتقل السياسي لمن يطلبون لهم العفو دون أن يوكلهم أحد، يراد لقضية معتقلي الرأي، وهي الشاهد على القمع والاستبداد، أن تتحول إلى نقطة إضافية في رصيد سلطة استهلكت نفسها، وجرعة أوكسجين لنظام متهالك يختنق من الداخل.

وريث سجين الفساد أحمد أويحيى على رأس الأرندي و"مناضل" الخامسة منذر بودن يطلب، وهو يقرأ نصا مكتوبا على غير العادة، إطلاق سراح البعض، وبن قرينة الذي أصبح متحدثا فعليا باسم السلطة وحاملا لرسائلها دون صفة رسمية، اختار أسماء بعينها وأضاف لها "على سبيل المثال لا الحصر" تحسبا لقائمة موسعة، لكن ما يجمع الاثنين هو عدم تحديد صفة المعتقلين الذين يطلب من الرئيس "التكرم" بالعفو عنهم ولا عددهم، فالأمر في النهاية متروك لصاحب القرار الذي سيحدد عدد من يجب إطلاق سراحهم لإطفاء الغضب والانتقال من موضع المساءلة إلى موقع المن.

لا يستحق سجناء الرأي، والمتابعون قضائيا، والممنوعون من السفر دون مسوغ قانوني، والخاضعون للرقابة القضائية، بسبب نشاطهم السياسي أو النقابي، أو منشوراتهم وآرائهم السياسية، أي عفو لأنهم لم يذنبوا، ولا تمتلك دعوات إطلاق سراح المحبوسين من هؤلاء ووقف ملاحقة المتابعين منهم أي غطاء قانوني أو أخلاقي أو سياسي ما لم تقم على الاعتراف بأن هؤلاء ضحايا قمع سياسي.

يوحي حديث أدوات السلطة عن العفو بدعوة مبطنة للسلطة إلى دفع ثمن لقرار العفو عن بوعلام صنصال الذي جاء ضمن صفقة يجهل الجزائريون تفاصيلها وكلفتها السياسية، وبذلك يتحول إطلاق سراح معتقلي الرأي إلى صفقة محلية مقابلة للصفقة الدولية التي منحت صنصال الحرية وأعادته إلى الساحة الإعلامية لاستكمال هجومه على الجزائر وهو ما بدأه من المستشفى العسكري في برلين مع وعد لشريكه في المهمة وصديقه كمال داود بالنصر.

لا يملك الذين يقترحون هذه الصفقة أي أهلية أخلاقية أو قانونية للدعوة إلى العفو، ولا يمكن لأي قرار محتمل بإطلاق سراح أي سجين، أو وقف ملاحقة أي متابع قضائيا، أن يكون ثمنا لشراء صمت الجزائريين عن الوضع المزري الذي آلت إليه البلاد، وفرض حالة الخوف التي بات الجميع يعبرون عنها بكثير من الوضوح والغضب، كما أن العفو لا يمكنه أن يكون بديلا عن تحرير القضاء وإلغاء القوانين السالبة للحريات التي جعلت الجزائريين يشعرون بأن وطنهم تحول إلى سجن كبير، وفوق هذا كله لا يمكن للعفو أن يعفي السلطة من المساءلة عن أخطائها وفشلها في إدارة الشأن العام وفساد المسؤولين وتعسفهم.

ما يقدمه دعاة العفو هو في الحقيقة التماس عفو عن خطايا نظام حكم منتهي الصلاحية في حق الجزائر وشعبها، وثمنه هو الاستمرار على طريق الفشل والإنكار الذي لن تكون نهايته إلا خراب الوطن.

الجزائر ليست بحاجة إلى "مصالحة" غامضة تعيد خلط الأوراق وتضع المظلوم والمذنب على قدم المساواة، فتلك ستكون خطوة أخرى إلى الخلف تؤجل الحل الحقيقي لأزمة مستحكمة وترفع كلفته، لكن الجزائر بحاجة إلى تغيير حقيقي يطلق الحريات ويوفر شروط انخراط أبناء البلد في مشروع وطني حقيقي لبناء الدولة بعد أن أوصلت سياسة الأمر الواقع القائمة على القوة البلاد إلى مأزق خطير.

إن شركاء السلطة من الأحزاب السياسية، وملاك وسائل الإعلام، وحاملي الشهادات من محترفي تبرير سياسات السلطة وملمعي إخفاقاتها، لا يمكنهم لعب دور الوسيط أو الحكم بين السلطة والمجتمع، فهم جزء من المشكلة ويقفون في موقع المساءلة ويتقاسمون مع السلطة إخفاقاتها وحصيلتها في مختلف الميادين، وإذا أرادت السلطة أن تجد لنفسها وللجزائر مخرجا من هذا الوضع فعليها أولا أن تكف عن مخاطبة المجتمع عبر هذه الأدوات المستهلكة وأن تبحث عن حلول جدية تجنب البلاد مستقبلا مظلما.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات