السودان :يداك أوكتا وفوك نفخ

عرف السودان " المُستقل " ظاهرة عدم الاستقرار السياسي على المستوى الرسمي والشعبي، الى الحد الذي يجعل من السودان "شعبا لَقاحاً"، أي مجتمعا اقرب الى الأناركية(Anarchy )، فمنذ استقلاله 1956 الى الآن عرف تغيرا قسرياً في الهيئة الحاكمة 14 مرة، لكن مراقبة فترات الحكم تشير الى أن مدة حكم اثنين هما جعفر نميري(حكم 15 سنة) وعمر البشير (حكم 29 سنة)، مما يعني أن اثنين حكما 63,8% من الفترة بينما تقاسمت 12 هيئة حكم ال 36.2% من بقية الفترة ، الى حد أن البعض حكم يوما واحدا(احمد عوض بن عوف)، وسر الختم خليفة(17 يوما)..الخ.

والسمة المركزية الثانية هي أن 56 سنة(من ال69 سنة) حكم فيها العسكر مباشرة أو من خلال مجلس عسكري يقودونه هم ،وهو ما يعني أن 81% تقريبا من فترة الحكم احتكرها العسكر ، واللافت للنظر ان عدد الدول المحكومة بهيئات عسكرية في العالم الآن هي 8 دول ، إذا استثنينا ميانامار ،فان السبع دول الأخرى في إفريقيا ، واغلبها تشكل دول الساحل التي هي امتداد جغرافي للسودان.(تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا).

يضاف الى ما سبق أن نماذج قياس الاستقرار السياسي التي تجعل من معدل( – 2.5) هو اعلى درجات عدم الاستقرار ،فان معدل عدم الاستقرار في السودان من 1996- 2025 هو (-2.17)، وهو ما يجعلها ضمن اعلى خمس دول في العالم في معدل عدم الاستقرار.

فإذا أضفنا الى ما سبق أن مساحة السودان هي مليون و882 الف كيلومتر مربع، بينها حوالي 737 الف كيلومتر مربع أراضي صالحة للزراعة (أي مجموع المساحة الكلية لفرنسا واليونان) ،وهناك حوالي 112 مليون راس من الماشية ، ومع ذلك هناك حوالي ثلاثة ملايين طفل سوداني يعانون من سوء التغذية، ويصنف 61.1% من السودانيين في خانة "الفقر".

إن الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023، يقودها شخصان أحدهما- عبد الفتاح البرهان- عسكري استولى على السلطة منذ 2019،وكانت أول خطوة ذات دلالة له هي اللقاء بعد شهور من توليه السلطة مع نتنياهو، والآخر وهو "محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي" وهو شخص قبلي لم يتجاوز تعليمه المرحلة المتوسطة، وتحول لتاجر ابل ثم انخرط في حرب دارفور –وساهم في تشكيل قوات الجنجويد، والتي كانت نواة لقوات الدعم السريع التي تشكلت عام 2010.

أما لماذا تصارع البرهان وحميدتي ،فالسبب المباشر هو أن البرهان أراد دمج قوات الدعم السريع بالجيش السوداني، وهو ما رفضه حميدتي، ودعمت الإمارات العربية حميدتي بينما وقفت السعودية وقطر وراء البرهان.

بماذا تشي هذه الصورة التي عرضناها؟

1- أن المجتمع السوداني هو المسؤول بجهله وغيبيته عن اللحاق بصراع بين "مجرمين " والتحزب لكل منهما .

2- أن الذي يدمر ويقتل ويغتصب هم من يأتمروا بأوامر هذين المجرمين، وهم قوى اجتماعية ونخب سودانية.

3- هذان المجرمان _احدهما وهو البرهان ، اعتبر العلاقة مع إسرائيل ضمانا لمصالح السودان، والآخر-حميدتي-ارسل شقيقه عبدالرحيم الى تل أبيب في أكتوبر 2021، وقد ابدى البرهان قلقا من تزايد مكانة حميدتي عند إسرائيل طبقا لتقارير موقع "ويللا" الإسرائيلي بخاصة بعد لقاءاته مع كبار رجال الموساد الإسرائيلي، وازداد قلق البرهان بعد إعلان واشنطن عن فرض عقوبات على شقيق حميدتي الصغير (اسمه القوني" لأنه يقوم بشراء وتهريب السلاح ، وهو ما دفع لاستقالته من مديرية المشتريات للدعم السريع.

إن ما يجري في السودان هو نتيجة تحالف بين " قطاعات من مجتمع قبلي متخلف مع مجرمين لديهما الاستعداد التام للتعامل مع أي طرف يضمن لهما كرسي السلطة، والأغرب من ذلك كله، أن ما يجري في السودان يشكل تهديدا للأمن القومي المصري ..لكن " نامت نواطير مصر عن ثعالبها"..فكل سوداني يسال عن ما يجري في بلده قل له " يداك أوكتا وفوك نفخ".

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات