تهتم وسائل الاعلام كلها(مكتوبة أو مسموعة أو مرئية) بتوسيع دائرة المتلقين لرسالتها الإعلامية، ثم تعميق اثر هذه الرسائل الإعلامية في عقل ووجدان المتلقي ، لكن الاعلام الإسرائيلي –طبقا لدراسات إسرائيلية وغيرها- يعاني من مشكلات في توجهه نحو الجمهور العربي وفي إيصال رسالته الإعلامية لهذا الجمهور، وتتمثل ابرز هذه المشكلات في :
1- حاجز اللغة( بخاصة ان معرفة اللغة العبرية قليلة للغاية، كما أن البرامج باللغة الإنجليزية أو غيرها لا تجد انجذابا لها من الجمهور العربي الواسع).
2- الحاجز النفسي لدى المتلقي العربي ونزوعه للشك في كل ما تورده مصادر الاعلام الإسرائيلي، فهو يشعر في وعيه ولا وعيه انه يتعامل مع "إعلام عدو ".
3- الخوف من أن وسائل التواصل الأخرى(الدبلوماسية الرقمية) هي قنوات تجسس أو أن الأسماء فيها وهمية أو من صناعة الذكاء الاصطناعي ...الخ من الهواجس التي تدفع للانصراف عن هذه الوسائل بخاصة إنها من مصدر "عدو" وهو إسرائيل.
وتشير دراسات إسرائيلية في هذا المجال الى أن العقل الصهيوني وجد ضرورة الالتفاف على هذه المعوقات ، وتفتق هذا العقل عن فكرة بدأت مع بعض دراسات راند كوربوريشين، وهي تشجيع محطات فضائية عربية على القيام ب :
أ- نقل وترجمة اهم ما تورده وسائل الإعلام الإسرائيلية من قنوات فضائية أو إذاعة أو صحف أو مواقع الكرتونية لشخصيات هامة في المؤسسات الإسرائيلية، مع التركيز على المواد ذات الإيحاء والتأثير النفسي والعقلي.
ب- استضافة شخصيات إسرائيلية(سياسيين أو إعلاميين أو اكاديميين) لعرض وجهة النظر الإسرائيلية من خلال فضائيات عربية ،وهو ما يضعف الحاجز اللغوي أو النفسي ،ويوصل وجهة النظر الإسرائيلية للمتلقي العربي، أن يتعود على ذلك حتى يصبح ذلك امرأ طبيعيا ويتهالك الحاجز النفسي.
وبالقياس الكمي استنادا الى شريط الأخبار (والعاجل) تبين أن قناة الجزيرة تنقل أخبار عن مصادر إسرائيلية تعادل أربعة أضعاف ما تنقله محطة البي بي سي(BBC) البريطانية باللغة العربية، وعند تحديد الموضوعات ذات الصلة بإسرائيل ، تبين أن قناة الجزيرة كانت تعتمد قبل الحرب على 15.5% من نقل الأخبار من مصادر الاعلام الإسرائيلي، ولكن النسبة تضاعفت تقريبا بعد حرب غزة الحالية، ناهيك عن أن الجزيرة كانت الأولى في فتح شاشتها للإعلاميين الإسرائيليين ،وكان شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي من أوائل من استضافتهم الجزيرة التي كان الشيخ يوسف القرضاوي أحد أعمدة برامجها الدينية في نفس الزمن.
فإذا أضفنا للجزيرة كلا من العربية وسكاي نيوز ، فان ما بين 45% الى 65% من الاعلام الإسرائيلي السياسي الإخباري يتم نقله للمتلقي العربي من خلال هذه القنوات أو من خلال المقابلات المباشرة مع السياسيين أو الإعلاميين أو المفكرين الإسرائيليين ، وهو ما يساهم في جَسْر الفجوة بين الاعلام الإسرائيلي والمتلقي العربي.
أما موضوع مقتل عدد من صحفيي قناة الجزيرة فهذه ظاهرة أصابت اغلب القنوات الفضائية الأخرى، فهناك 255 صحفيا قتلوا ينتمون لقنوات او وكالات مثل رويترز أو صحيفة الاندبندنت أو وكالة الاسوشايتدبرس أو القدس نيوز وتلفزيون العربي وقناة فلسطين ووكالة الأناضول ووكالة صفا وقناة الأقصى ووكالة سند والمنار والميادين، ناهيك عن عشرات الصحفيين المستقلين...الخ.
أما موضوع " الموضوعية" (والرأي والرأي الآخر) فقد قارنت دراسة جامعية بين تغطية الجزيرة لحرب غزة وتغطيتها للازمة التي نشبت بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر في يونيو 2017 ،فتبين أن استضافة شخصيات إسرائيلية والنقل عن مصادر إسرائيلية خلال حرب غزة الحالية، كان اكثر من 9 أضعاف ما تمت نسبته لمصادر خليجية أو استضافة شخصيات خليجية لا تتبنى الموقف القطري خلال الأزمة القطرية ، وان اغلب الأخبار التي نقلتها الجزيرة في حينه عن الأزمة الخليجية كان في مضمونه أخبارا تُضعف رواية بقية دول الخليج ومصر ، أي أن الراي الإسرائيلي كان حاضرا في الحرب الحالية بما يساوي تسعة أضعاف حضور الراي الخليجي "غير القطري" خلال الأزمة الخليجية، مما يعني أن هناك موقفا سياسيا يتوارى وراء ضجيج "الراي والراي الآخر".
إن احد افضل وسائل ادراك ماهية السياسة العربية تجاه أية قضية هي مراقبة وتحليل مضمون إعلام كل دولة، فما يقوله الرسميون العرب غالبا ما كان مموها وإيحائيا، أما الاعلام الرسمي فيوضح لك طبيعة التوجهات، فإذا راقبت الفضائيات الخليجية مثلا بخصوص السودان ستعرف من يدعم "البرهان" ومن يدعم "حميدتي" بوضوح ، وهكذا في كل القنوات العربية مع كل قضايانا...
لكن ذلك لا يصادر "ربما"…