العطش ليس فيلما من الخيال، بل هو كابوس مزعج.

العلامات الزرقاء و الحمراء تمثل مواقع السدود التونسية. كيما تراو تقريب في كل شبر يمكن فيه تجميع الماء تم إنشاء سد. رغم هذا المجهود الجبار فقط طاقة التجميع بالكاد تفوق ملياري متر مكعب بينما استهلاكنا يقارب الخمس مليارات.


…

بعض السدود مثل الهوارب بالقيروان وواد الكبير بقفصة معظم الوقت شايحة لأنها تغذي المائدة المائية (غير مبرمجة / خطأ هندسي) فتفرغ بسرعة و أيضا لارتفاع نسبة التبخر. هذه السدود يمكن تستقبل فائض مياه الشمال لتغذية المائدة المائية. إمكانية بناء سدود أخرى قليلة جدا نظرا لعدم توفر طوبوغرافيا مناسبة حتى لو توفر الغيث.

مثلا في طبرقة كميات التساقطات تتجاوز ألف مليمتر لكن ما ثماش مكان يسمح ببناء سد هناك. المكان الوحيد اللي يمكن يتعمل فيه سد نسبيا كبير هو خنقة كاف التوت في نفزة قبل سد سيدي البراق. ما ننساوش حاليا ربع مليون لتر سنويا يقع ضخها من سيدي البراق في سدود أخرى باش ما يمشيش هدر للبحر. يعني خنقة كاف التوت يمكن تجمع الفائض و نتخولاو عن الضخ. كيما تراو حتى لو حاولنا بناد سدود جبلية في أقصى الشمال الغربي نبقاو بعاد برشة عن توفير احتياجاتنا.

و بالتالي حل نقل الفائض لسدود الوسط بات ضرورة ملحة. و بالمقارنة مع التحلية يعتبر حل اقتصادي. كذلك تهيئة مجاري الأودية لتعمل كسد طولي مثل سد العروسية (هو سد لتغذية قنال مجردة) بات ضروريا. و مع هذا على تونس دراسة عملية الإستمطار لتوفير المياه و تخزينها في الطبقات الأرضية.

و قبل كل هذا لابد من فرض عملية تدوير المياه المعالجة في العمليات الصناعية و الزراعات العلفية خاصة و ما شابه من العمليات التي لا تمثل أي خطر على الصحة. من جهة أخرى يمكن التفكير في تطوير عمليات استخراج الملح في الملاحات و دمجها مع التحلية لتخفيض كلفة العمليتين. و تبقي كل هذه الجهودات رهينة وعي المواطن خصوصا الفلاح و الصناعي لترشيد الإستهلاك. كيما تراو الدولة ما عندهاش حلول سحرية خاصة و أن بناء السدود لم يعد ممكنا. نحن اليوم بحاجة لحلول غير تقليدية لأزمة عير تقليدية في حجمها و تداعياتها.

بعض التوضيحات:

كثيرا ما يتم ربط الوضعية بالتغير المناخي (المقصود بطريقة غير مباشرة التغيير الناتج عن النشاط البشري) فقط لمجرد وجود تغير في درجات الحرارة و التساقطات. لكن لا شيئ يؤكد ذلك. ذكرت في مناسبات سابقة أن الجفاف الذي نعيشه لمدة سنة و سنتين و ثلاث ليس هو القاعدة، و تاريخيا تأكدنا من تواتر عشريات من الجفاف وصلت لأربعين سنة. و بعض النظريات تعتبر سقوط الحضارة البرونزية سببه الرئيس جفاف طويل الأمد mega-drought. أستراليا مثلا عاشت قرابة عشر سنوات من الجفاف في بداية هذا القرن. قصة سيدنا يوسف تحكي عن سبع سنوات عجاف. الجفاف طويل الأمد شيئ طبيعي صار في السابق و يمكن أن يحدث مستقبلا و لا علاقة له بالتغيرات المناخية و إنما weather oscillation

الملاحظات فيها اقتراحات متعددة، و لابد من العلم أن الحل هو مجمل هذه المقترحات و الحلول و غيرها مجتمعة و لا أدعم حلا واحدا على حساب اخر، بل أدعو إلى الأخذ بها كلها.

في الحقيقة لم أفصل في الموضوع كثيرا، و لكن فقط أردت لفت نظر الناس إلى حقيقة أن طاقة استيعاب سدودنا محدودة جدا و إذا أردنا توسعتها فهي ليست بالسهولة التي يتخيلونها و عليهم أن يساهموا في إيجاد الحل بدل انتظار الحلول. أول الحلول حسن استغلال المتاح و التقشف فيه بالقدر الذي يفي و لا نبذره تبذيرا.

العطش ليس فيلما من الخيال، بل هو كابوس مزعج. هو ليست قضية سياسية للمتاجرة بها.

اطلعت على تجارب متعددة في أكثر من عشرين دولة و استلهاما من هذه التجارب أعتقد أننا قادرون على تحويل الأزمة إلى فرصة. لا تنسو أن قضية المياه تصنع مجدا لمن يحسن الإستثمار فيها.

بعض الحلول التي ذكرتها هي تحويل فائض مياه الشمال و يبدو هذا يزعج أحبتنا في شمال البلاد لكن الفائض هنا يقصد به ما زاد عن طاقة استيعاب السدود بالشمال، فعوض هدره بالبحر يمكن تغذية سدود الوسط به. علما و أن للبحر و الطبيعة احتياجات يجب مراعاتها. و كلمة فائض قد تنطبق على الوسط أيضا فأمطار الفيضان تهدر لأنه يصعب تجميعها. و ربما من الحلول هو تهيئة مساحات لتغذية المائدة بمياه الفيضان.

أورد البعض ملاحظة ضرورة التحكم في التبخر و هذا موضوع مهم جدا. فالأصدقاء الذين يدعون لتكثيف البحيرات الجبلية لا يجب أن يفوتهم أن هذه المساحات ترفع نسبة التبخر. من الحلول المقترحة هي بناء حواجز رياح (لأن الريح عامل أهم من الحرارة في التبخر و لهذا يمكن تجفيف الثياب في يوم ريح أسرع من يوم مشمس) ، هناك أيضا مقترح تغطية السدود بكرات بلاستيك و لكن هذا يمثل خطر التلوث بالبلاستيك. هناك أيضا مادة سائلة من البوليمر تصب في البحيرات فتغلف الماء بطبقة رقيقة تحد من التبخر بنسبة تفوق سبعين بالمائة. و ربما أيضا استغلال السدود لبناء لوحات الطاقة الشمسية العائمة فتحد من التبخر و تنتج الطاقة.

بالمناسبة كما ترون كلها أفكار مشاريع ممتازة ، و لهذا كنت دائما أقول كيف لبلد يحتاج البناء أن ترتفع فيه نسب البطالة؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات