في غصرات القيامة

تنويه: هذا النصّ هو محض عمل لغويّ متخيَّل وكلّ مشابهة بين الواقع وبين ما جاء فيه هي مجرّد صدفة سرديّة.

بعد أن يكتب الصادق بلعيد آخر حرف من الدستور أملاه عليه سيّده المعصوم يكون قد أتمّ رسالته في الحياة الدنيا وتَوَفَّى عمره فتُختم أنفاسُه ويُشحن إلى العالم الآخر كما هو عند آخر حرف كتبه، على هيئته الدنيويّة وبيده القلم الذي كتب به دستور الجمهورية التونسية الجديدة.

- ما اسمك؟ وما كانت خطّتك في الدنيا؟ وفيم أفنيت عمرك في الدار الفانية؟

- اسمي الصادق

- الصادق بن من؟

- الصادق بن سعيد

- ما كان عمرك في الحياة الدنيا؟ -

- كثير من القرن العشرين وقليل من القرن الذي يليه.

يفتّش الملك السائل في دفتر بين يديه به قائمة بالشعب التونسي مرتّبة حسب العصور فلا يجد أثرا للصادق بن سعيد يوافق صوت الرجل وصورته ورسمَ بصمته.

يشكّ الملك في الأمر فيسأله:

- ما ذاك بيدك؟

- قلم جئت به من عمري الفاني؟

- وماذا كنت تكتب به؟

- كتبت به دستور الجمهورية التونسية الجديدة.

يبحث الملك في أسفار دساتير دول كانت معه فلا يجد.

- خذ ورقة اكتب عليها اسمك بلغتك أَرْفَعْهُ إلى أولي الأمر حتّى ينظروا في أمرك.

يحاول الصادق الكتابة فلا يتذكّر اللغة التي يكتبها ولا أيّ يديه كان يكتب بها في الحياة الدنيا فيختار اليسار اعتباطا، ولكنّ القلم جفّ فلم يَجُدْ على الصادق من اسمه الذي ذكره بحرف.

يؤتى بحاسوب يفتحه الصادق فيرى على شاشته صورة مركَّبة من وجهين: وجهه ووجه الذي استكتبه فكتب الدستور بأمره..

فتّش بنفسه عن اسمه في ما وجد من محرّكات بحث لا تحصى فلم يجد.. مع الصورة رأى أسماء وألقابا منفردة.. رأى قيس ورأى بلعيد ورأى سعيد، ولكن لا ذكر لاسم صادق..

يسأله الملك:

- صادق هذه كانت لك اسما أم صفة؟

- صادق هو اسمي.

- وهل كنت من الصادقين؟

- نعم.

- ومن شهد لك بالصدق في الحياة الدنيا؟

-رجل في دولتنا كان يدعى قيس وهو الذي كنت أعمل له في آخر أيّام حياتي الدنيا كاتبا ومفتيا.

- وفيم كنت تحترف الفتوى؟

- في القانون... كنت أخيط الدساتير لأصحابها تحت طلبهم على مقاسهم... وأقبض الثمن لقاء فكري وعرقي.

- ابحث عنه، وهات شهادة منه بخطّ يده فهي جواز عبورك.

- لا يزال الشاهد لم يُشحَن من الحياة الدنيا، لم يتمّ رسالته التي قال إنّه بُعث بها.

- وهل هو من الأنبياء المرسَلين؟

- لا ليس منهم ولكنّه يشبههم.

- وفيم يشبههم؟

- هو دائم الغضب لا يعرف يبسط وجهه... لا يتكلّم إلا صراخا... ويكثر من لعن مخالفيه وسبّ معارضيه… يقول القول وضدّه وكلّما قال قولا نقضه بالعمل حتّى أنّه يحنث بالقسم ويخون الأمانة ويدّعي الصدق له ولشيعته... وينفيه عن الآخرين.

- ومن هؤلاء الآخرون؟

- هم معارضوه والذين لا يرون رأيه.

- إذن هو الذي سمّاك صادق؟

- نعم.

- وهو، مثلما قلتَ عنه، ليس بصادق؟

- نعم.

- إذن، فأنت، كذلك، لست بصادق وقد غُلط بتسميتك.

أحسّ صادق بتعب شديد وشعر بدوار وأصابه نزف ذهب بذاكرته.. شعر بالعطش فطلب شربة ماء من ملك مرّ به فسأله عن اسمه لأنّ كلّ طلب يكون باسم صاحبه فلم يتذكّر اسمه…

قيل له في صوت أتاه من جميع الأنحاء:

- لن يكون لك الحقّ في جرعة ماء حتّى يأتيَك صاحبُك فنكافحك به… لعلّ وعسى !!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات