و كأنه لم يعد فاعلًا.

جاء رئيس الجمهورية إلى الحكم وهو يجاهر أن ليس له برنامج. في حقيقة الأمر كان له مشروع تبلور بسرعة في إطار “خارطة طريق”إلتفت حولها فئات سياسية إجتمعت على تنافرها،على هدفين كان الأمل على أن يُطبّقا على يد رئيس الجمهورية.

كان الهدفين:

لجم ثمً دحر ثمً تدمير« النهضة » أولا و أساسا. كان تحجيم الدور السياسي للنهضة و إنهـاء دورها كفاعل أساسي هوالسعي الأول منذ التكليف الأول لرئيس الحكومة.

الرجوع إلى النظام الرئاسي كان هو الهدف الأسمى التي إلتقت حوله شرائح واسعة خاصة من النظام القديم ،معادية للثورة من أساسها. لم يفلح الرئيس في مشروعه و أخفق في هذا و ذاك .

لم ينجح في نسف النهضة ولا حتى في فرقعتها.أمام الخطر تخندقت النهضة وأحاطت نفسها بطوق أمان أساسه المصلحة و الفساد.المفارقة أنه و هو يناور لإضعاف النهضة ساهم عكسا بتقوية عودها وشوكتها.ساهم من أين لا يدري في إجهاض حركة إصلاحية واعدة كانت تتشكل صلب حركة النهضة و كانت قاب قوسين أو أدنى على تحييد الغنوشي قبل إزاحته . تعطل الإصلاح وتركت الأولوية إلى رصً الصفوف و التفرغ الى مواجهة عبثية.

لم ينجح في إلغاء الدستور ولا حتى الإلتفاف عليه و هو يكتشف يوما بعد يوم عدد و نوعية الأقفال.لم ينجح في إستقطاب الجيش ولا حتى إستمالة الأمن، بل إكتشف مدى تعلق الديموقراطيون بدستور الثورة.

من هنا وجد الرجل نفسه في نفق مظلم أمام حائط سميك، لا يستطيع لا المضي قدما ولا التقهقر. من هنا ربما منبع الرسالة المشفرة والرئيس يشير الى الغرف آلتي تتأمر عليه و هي أن أولائك الذين كانوا يعًولون عليه بدأوا ينفضون من حوله لأنه لم ينجح في إزاحة النهضة من المشهد السياسي ولم ينجح في إقرار دستور جديد و كإن الرجل عاجز ولم يعد يصلح.

النهضة لازالت تتصدر المشهد السياسي وهي لا تأتي فعلا في السياسة وإنما ترد الفعل و الفساد وقودها.الرئيس فوًت على نفسه فرصة جمع التوانسة وأصبح مصدرا للفرقة والشقاق وهو يتوق الى إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.

و الأزمة تتفاقم ككرة الثلج ولا بصيص أمل ،ألم يحن الوقت لإرجاع العهدة إلى الشعب؟

الفساد….الفساد.

كلما سمعت كلمة فساد أو عبارة محاربة الفساد إلا و « تحسًست مسدسي». العبارة مقتبسة من شهير خلًد التاريخ ذكره ولو على قبح العبارة،قالها إبان الحرب الإسبانية في مجال أخر و كان يهدد بإطلاق النار على كل من يتلفًظ أمامه بكلمة…« ثقافة ».

أنا كذالك والحال أن الكلمة أصبحت مقرفة «أريد أن أطلق النار »على كل من يتناول موضوع” الفساد”. مثل هذه المصطلحات آلتي في جوهرها تعني الكثير و لا تعني شيئا في باطنها هي “كلمات-حقيبة” كما يسميها الفرنسيون ،كلمات جوفاء لا تتحمل أي معنى دقيق ، يشحنها السذج والمتطفلين رياءا و خبثا.

لنا في هذا المجال، مجال“الكلمات- الحقيبة” أي كلمات الشعوذة السياسية باع طويل.

كلنا نذكر البعض منها: الجلاء-الأمة التونسية-الإقلاع-السلوك الحضاري-دولة القانون و المؤسسات ، تارة يباركون لن نضجنا و جدارتنا ب…و..ب...و تارة أخرى يبشروننا بضرورة حكم العسكر الوحيد الذي سيقطع دابر الفساد.

كلمات خاوية ،عبارات فضفاضة ،لا تعني لهم كثيرا، لا تلزمهم بالمرة. علكة يمضغونها، يرمونها للسذج و البسطاء. هم أغلب الظن لا يفهمون أن الفساد ليس بجرثمة عابرة أو بطلاسم سحرية و إنما الفساد هو ركيزة المنوال التنموي الذي إخترناه لأنفسنا أو بالأحرى الذي فرض علينا اي إقتصاد الريع بمكارم أخلاقه.

الفساد، لمن لا يدري، يرمي بعروقه في جذور ثقافتنا و طبائعنا الاستبدادية. الفساد ضارب فينا من صفوة القوم إلى أحطً العامة.

ألا يدرك رئيس الدولة و هو الذي إنتصب فارس محاربة الفساد أنه بجنحه للسلطوية الفجًة و تعسفه على الدستور يزيد الفساد طينا و بلًة. ألا يدرك رئيس الحكومة و هو يصارع خصومه و أعداءه أنه يسوّر نفسه بأرباب الفساد. ألا يدرك رئيس البرلمان أنه « بحنكته الفائقة » حوًل وجهة حزب كنا نظنه طهوري إلى ألة فساد مدمرة.

أما عن الفئات السياسية المتناحرة، فكل ما أعلنوا النفير ضد الفساد ، فثق أنها تصفية حسابات و الغلبة تبقى دائما للفساد.


• كيف لهؤلاء أن يحاربوا الفساد ؟

• كيف يتجرؤون وهم على ما هم؟

سئمنا تكاليف …الفساد كما كاد أن يقول الشاعر و هرمنا من أجل لحظة…. للأسف فاتت علينا. الفساد و ما أدراك ما الفساد. مفارقة بنيوية و حالة مرضية.

الجلاء … الإقلاع… الفساد: ألفاظ و شعوذة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات