زقفونيـّـــــــــــــــــات..

المزاج يعكس الطبع والنّفس تستدعي الماضي الذي يتناسق معها وترى فيه نسختها، والسلوك يؤشّر إلى البوصلة..

ذلك ما فعله سعيّد ويفعله.. تنقّل بنا من كافور إلى المعرّي، وإن كان أبو العلاء اشتهر بالإحباط والغموض والرموز والعزلة والشكّ وغرق في التشاؤم والحزن حتى استعجل الموت، وارتبك في عقيدته فشرّق وغرّب اقترب وابتعد وحدّ وفنّد.. ثمّ زهد بلا زهد وتصوّف دون أن يتصوّف.. غير أنّه أبدع في وصف كلّ شيء حتى الحيرة حوّلها إلى قطع فنيّة مؤلمة، تجسّدت فيه مقولة المسعدي الأدب مأساة أو لا يكون.. لكن سعيّد أخذ من المعرّي حيرته وشكوكه وتشاؤمه.. تلك التي حوّلها المعرّي إلى فنّ فريد، غمّر قيس قشرتها وأشعل فيها من غروره فحوّلها إلى كوارث بالجملة..

أمّا كافور، فقد انتقل من العبوديّة إلى سلطة شبه اعتباريّة، ثمّ استغل موت الحاكم محمّد بن طغج وصغر سنّ ابنه ولي العهد أبي القاسم أنجور، وأدار الدولة بالنيابة إلى أن يكبر الحاكم الجديد، لكنّه انقضّ على الحكم وجمع إليه كلّ السلطات وغيب ولي العهد..

وحتى إن كان الفأل سيئا بما أنّ كافور حكم الدولة الإخشيديّة 23 عاما، إلّا أنّ سيناريو كفرنة وأخشدة الدولة الذي يطمح إليه سعيّد لن يتحقّق، لأنّ الأبّ محمّد بن طغج ما زال على قيد الحياة ويمارس السلطة والابن أبو القاسم أنجور تجاوز سنّ الرشد ويزال بدوره السلطة.. لذا أهجعية و أركحيّة بدل زقّونية.

إذا ذاك هو سعيّد! أخذ من المعرّي الغموض والتشاؤم، وأخذ من كافور اللهفة الى السلطة.. ثمّ ماذا تبقّى؟!

شخصيّة أخرى فيها من بعض صفات سعيّد كان استشهد بها أيضا، ذلك هو المتنبّي، لم يأخذ منه سعيّد أدبه وشعره الغزير الذي سبق به من قبله ومن بعده، أخذ منه فقط النرجسيّة والغرور! أليس المتنبّي من قال : سيعلم الجمعُ ممن ضمَّ مجلسنا، بأنّني خيرُ من تسعى به قدمُ! إذا كان المتنبّي واسمه أحمد بن الحسين بن الحسن خير من سعت به قدم! فأين إذًا محمّد بن عبد الله جدّ الحسن والحسين صلّى الله عليه وسلّم؟

يفعل الغرور بصاحبه ما لا تفعله الرسائل المسمومة بالقصور الجامحة.

ثم لا ننسى أنّ المعرّي هو القائل:

وقد تَنْطِقُ الأشياءُ وهْيَ صَوَامِتٌ

وما كُلّ نُطْقِ المُخْبِرينَ كلامُ.

وهو القائل:

فإن كنت تبغي العزّ فابغ توسطاً

فعند التناهي يقصر المتطاول

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات