أنا الزّعيم!

Photo

في ردّه على الرّسالة التي عرضت عليه تحدّث عن زيارة " الإخوة الخمس " والمقصود الوفد الذي التقاه لتسليمه العريضة التي تذكّره بضرورة احترام الفصل 31 من القانون الدّاخلي الذي ينصّ على التّداول على رئاسة الحزب، وقال أنّها تذكّره بالزّيارات المعتادة لنفر من قادة الجيوش في الهزيع الأخير من الليل لرؤساء بلادهم يبلغونهم الأمر بالتنحّي، ثمّ استدرك أنّ الزّيارة حصلت وقت صلاة المغرب وليس في الفجر في شكل من الإيحاء المجاني بأنّ المطلب الدّيمقراطيّ الذي صيغ في رسالة مطوّلة وصفها بأنّ " نسيجها اللغوي جيد ومطرز بمفاهيم الديمقراطية والإسلام " ووقع تسليمها من طرف وفد مشكّل من قيادات تاريخيّة من بينهم مؤسّسون من الرّعيل الأوّل هو من قبيل العمل الانقلابي…

في ردّه على المضمون أراد نقض المنطق الذي قامت عليه الرّسالة الموجّهة إليه من خلال التّأكيد على ما انطوت عليه بنظره من " خلط متعمد بين مقتضيات مجالين مختلفين مجال الحزب ومجال الدولة " فما يصلح للدّول ممّا تعاقد عليه مشرّعوها من تداول وتحديد دورات لبناء الدّيمقراطيّة وترسيخها لا ينسحب على الأحزاب حيث " يُجَدَّدُ للبعض دون حدّ اذا كان حكم المؤسسات على أدائه إيجابيا فيدعم أو يعفى إذا كان الحكم على الأداء سلبيا" دون الحاجة إلى قاعدة قانونيّة تحدّد الدّورات .

هذا بنظره ينطبق على عموم القيادات أما" الزعماء فلهم وضع خاصّ "هم الاستثناء من القاعدة، لقدرتهم على الصمود في مواجهة عامل التهرئة" الذي يعتبره العنصر الفاعل في التّداول، أمّا الزّعماء فلهم مناعة ضدّ التّهرئة " جلودهم خشنة " لذلك هم محصّنون من مبدأ التّداول الذي لا يجب أن يشملهم كما يشمل بقيّة المواقع والمناصب سواء في الدّول أو الأحزاب بل الزّعماء هم " قوّة دفع وتعبئة لشعوبهم وراء أحزابهم "

ويطرح أسئلة استنكاريّة عن جدوى تغيير هذه الزّعامات وهي في قمة عطائها وإشعاعها داخل البلاد وخارجها ... بل إنّ أمثال هذه الزعامات تبحث عنها الأحزاب مقابل رؤساء أحزاب " ما أكثرهم " مشمولين بالتّداول ولا تتحملهم أحزابهم في الغالب لأكثر من دورة.

ويقارن بأسلوب إنشائيّ أقرب إلى الفخر المبطّن بين هؤلاء الرّؤساء المشمولين بالتّداول لقابليّتهم للاهتراء وبين " زعماء أحزاب لا يجود الزمان بمثلهم إلا قليلا" ممّا يقتضي أن تستمسك بهم أحزابهم وشعوبهم ولا تحصي عليهم أنفاسهم وتنتظر انقطاعها، وإنّما تخشى فقدهم وتتحسر على غروب شموسهم " كمن يفتقد البدر في الليلة الظّلماء.

ويورد بشكل انتقائيّ مجتزأ مقطوع عن سياقاته أمثلة على هؤلاء الزّعماء وهم رؤساء أحزاب قادوا أحزابهم وشعوبهم دون إلزامهم بالتّداول وتحديد الدّورات ... وتقوم هذه النّماذج حسب رأيه دليلا " جليًا على فساد الخلط بين قواعد التّداول التي تدار بها الدّول وبين التّداول في نظام الأحزاب، كما بيّن الفرق بين التعامل مع الزعماء والتعامل مع القادة العاديين" الذين وصفهم بالإداريين …

وينهي ردّه بالحكم على مضمون الرّسالة بأنّه وصاية بغطاء ديمقراطيّ، واعتبار التّداول وتحديد المدّة شروطا إقصائيّة مسبقة لتحقيق ما عجز عنه أصحاب الرّسالة في محطّة انتخابيّة سابقة.

وفي تحرير أصل الخلاف يعتبر أنّ مربع الخلاف الأصلي لا يدور حول الديمقراطية وانّما حول تقدير المصلحة، مصلحة البلاد ومصلحة الحركة والأمة، ويتساءل باستنكار إن كان من مصلحة البلد والإقليم تغيير زعامة الحزب وإضعافه، أم تقويته باعتباره رصيدا استثمر فيه الحزب خلال نصف قرن حتى تهيأ للمقامات العالية؟

الملاحظات التي يمكن أن تصاغ حول هذه الرّسالة التي لم يصدّق كثير ممّن قرؤوها صحّة نسبتها لرئيس النّهضة بل عبّر البعض عن صدمتهم ممّا ورد فيها لتناقضه مع كثير من المعاني والقيم السياسيّة التحرريّة التي عبّر عنها في مؤلّفاته ولاسيما تأصيله لمبدأ التّداول وتحديد المدّة:

*الفصل بين الدّيمقراطيّة داخل الأحزاب والدّيمقراطيّة في إدارة الشّأن العامّ من موقع المؤسّسات التّمثيليّة للدّولة يوقع في التباسات عميقة تتعلّق ببناء الدّيمقراطيّة التي يفترض أن يتشرّبها المناضلون داخل أحزابهم ويتدرّبوا عليها ليحسنوا تجسيدها في الدّولة ،

فكيف تُبْنَى الدّيمقراطيّة بمن طبّعوا مع ثقافة القبول بالانفراد بسلطة القرار وتركيز الصّلاحيات بيد الأفراد وانعدام الحوكمة؟ وكيف يمكن بناء ديمقراطيّة في البلد بأحزاب غير ديمقراطيّة مرتهنة لوصاية الزّعماء الملهمين؟

*يفترض أنّ الزّعامة قيمة اعتباريّة وسلطة أدبيّة معنويّة فوق الأحزاب تتشكّل ضمن سياقات خاصّة تبوّئ أصحابها القيام بأدوار ما فوق حزبيّة " التعديل، التجميع، إدارة الحوار، فضّ النّزاعات، التوجيه، التّرشيد، حفظ الذّاكرة، الشّهادة على العصر … " لذلك فهي تستمدّ وجودها من ذاتها لا من تموقع صاحبها في حزب أو منظّمة ،

الزّعامة واجبة الوجود بالمعنى السّياسي ولا تفتقر لعكّازات الموقع الحزبي ولا تستمدّ قوّتها وشرعيّتها منه وإلّا فهي زعامة خاوية هشّة تفتقد لمقوّماتها الذّاتيّة … والأمثلة كثيرة على زعماء غادروا صفوف أحزابهم وقاموا بأدوار متقدّمة داخل دولهم وعبر العالم …

* الرّوح التي صيغ بها الردّ المتسرّع على المطالبين باحترام الدّيمقراطيّة الدّاخليّة من النّواة الصّلبة للحزب تعيد رئيس الحزب من جديد للمربّع الأوّل لانتظام الجماعة والبيعة وطاعة الأمير الذي يستعيد مقالة ثالث الخلفاء " ما كنت لأنزع قميصا ألبسنيه الله " ويجعل المتابع في حيرة بين ما يقع التّعبير عنه من اجتهادات في تحديث الفكر السياسي داخل التيّار الإسلامي أهمّ مخرجاته العنوان البرّاق للإسلام الدّيمقراطيّ وبين مرجعيّة السياسة الشرعيّة بمعجمها الوسيط ومضامينها وأحكامها … أيّهما المرجعيّة التي تعبّر عن حقيقة فكر الرّجل وقناعاته السياسيّة.

*أخيرا لم نجد صورة أكثر تعبيرا عن الخلفيّة النفسيّة التي صيغ بها الردّ سوى عبارة " أنا الزّعيم " التي تردّدت في المسرحيّة الكوميديّة النّاقدة " الزّعيم " ….

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات