ما الحلّ الدستوري مع رئيس يصرّ إصرارا على عدم احترام الدستور

Photo

ما الحلّ الدستوري مع رئيس يصرّ إصرارا على عدم احترام الدستور، لا عند تكليفه "الشخصية الأقدر" لتشكيل الحكومة متجاهلا ما أفرزته المشاورات النيابية اللازمة لتوضيح الأغلبية البرلمانية المعنية بتلك "القدرة" على نيل الثقة، ولا بتدخله السافر في معظم التركيبة الحكومية ومسؤوليته عن الإرباك المخجل الحاصل في أسمائها متجاوزا الوزارتين الوحيدتين (الدفاع والخارجية) المخوّل له دستوريا التشاور حولهما مع رئيس الحكومة؟

هو يعلم أن رئيس الحكومة المكلف من طرفه سيكون ضعيفا أمام مجلس نواب الشعب الذي لم يختره وإن صوّت له مكرها خوفا من حلّ البرلمان، كما يمكن أن يخرج عن "طاعته" اليوم أو غدا مما قد يضطره إلى طلب عرض ثقة الحكومة على المجلس الذي يستطيع معاكسة الإرادة الرئاسية بمساندة الحكومة وتثبيتها، وإذا أعاد طلبه مرة ثانية ووجد نفس الرد البرلماني يكون رئيس الجمهورية ملزما بتقديم استقالته.

وهذا ما يبدو أنه حريص على تفاديه بما أصبح يتردد عن اشتراطه خطاب استقالة مسبقة من المكلف بتكوين الحكومة يوضع في درج المكتب الرئاسي، يستعمله متى ارتأى ذلك مناسبا، سواء لاستباق لائحة سحب ثقة، كما حدث لحكومة الفخفاخ، حتى تبقى المبادرة بيده، أو لتهديد رئيس الحكومة إذا حاول التمسك بصلاحياته الدستورية (كما فعل الشاهد مع الرئيس الراحل قايد السبسي) و لم يلتزم بتعليمات "سيادته المطلقة" التي لم تعد تقف أمامها أي سلطة مضادة، في ظل غياب المحكمة الدستورية الوحيدة المخولة حسب الدستور بالنظر في لائحة إعفائه حتى وإن جمع البرلمان الأغلبية المطلوبة لتمريرها.

طبعا يمكن لمجلس النواب، المتوجّس من حلّه، أن يستعمل مرارا وتكرارا الفقرة الأخيرة من الفصل 97 بطلب سحب الثقة من أحد الوزراء، أو أن يصوّت بعد وقت قصير على لائحة لوم ضد الحكومة الجديدة، ولكن ذلك سيدخل البلاد في لعبة صبيانية لا تليق بها وبمسار انتقالها الديمقراطي غير المكتمل ولا تناسب وضعا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وإقليميا من أسوأ وأخطر ما يكون، والأرجح أنه سيصبّ في مصلحة رئيس الجمهورية و رؤيته الرئاسوية (المتقاطعة مع القوى السياسية الرجعية) و شعبيته التي ربما بدأت تتضعضع هذه الأيام بسبب تراكم أخطائه وأخطاء "مستشاريه ومستشاراته" وانكشاف شعبويته الفاقعة.

أما إذا كان لنواب البرلمان، على اختلاف كتلهم، ذرة من "كرامة"، غائبة إلى اليوم عن شعار الجمهورية رغم أنف الدستور، فإن المبدأ السياسي البديهي يفرض أن لا يمنحوا الثقة لحكومة لا علاقة لهم في أغلبيتهم المطلقة باختيار رئيسها وأعضائها. وليتركوا لرئيس الجمهورية تحمل مسؤولية اختياراته وتأويلاته وخروقاته الدستورية أمام الشعب الذي سبق أن قال عنه إنه بإمكانه متى أراد سحب توكيله ممن تقاعس عن الأمانة أو خانها، ليس فقط من ممثليه في البرلمان وإنما أيضا من ممثله في رئاسة الدولة.

لا تفسير منطقي سياسيا لما هو بصدد ارتكابه، من خلال مناورة غير دستورية مزدوجة (تكليف شخصية لا علاقة لها بالمشاورات النيابية اللازمة لتكوين الحكومة والتدخل السافر في تشكيلها ثم التنصل منها في آخر يوم قبل التصويت عليها)، إلاّ سعيه إلى حلّ البرلمان والانفراد بجميع السلطات، لمدة قد تطول ولا تقصر ، رغم الآجال الدستورية لتنظيم انتخابات برلمانية جديدة، إذا ما أمعن رئيس الجمهورية (وهو الأرجح) في خروقه الجسيمة للدستور ، وكل خرق منها كفيل مبدئيا بإعفائه، حتى وإن تعذر ذلك إجرائيا بسبب غياب المحكمة الدستورية التي احتلّ مكانها …

التفسير الممكن الآخر الذي أستبعده هو أن يظهر تمسك بعض الأحزاب البرلمانية بالحكومة التي أشرف هو على تشكيلها بنفسه قبل أن يعلن تنصله منها وكأن هذه الحكومة المثيرة للجدل تحظى فعلا بثقة المجلس الذي سيتحمل في الأخير مسؤولية التصويت لفائدتها مكرها وخوفا من سيف الحلّ…بيد "أبي سيف" (سعيد بعودة "سيف").

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات