من حكومة "الاجدر" الى حكومتيْ "الاقدر":الوعي الانفعالي و الخوف المشروع : زاوية نظر مختلفة

Photo

بعد شبهة الفساد التي اجبرت الفخفاخ على الاستقالة عاد الامر الى رئيس الجمهورية للتشاور وتكليف الشخصية الاقدر لتكوين حكومة جديدة وقد اختار الرئيس قيس سعيد وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة السيد هشام المشيشي لذلك:

1- لماذا المشيشي؟؟

اختيار قيس سعيد لشخصية من حكومة حدد معالمها وملامحها والاطراف الحزبية المشاركة فيها (النهضة والاحزاب المحسوبة على الثورة الشعب والتيار وثالثها حزب تحيا تونس) اشارة واضحة الى التوجه العام للرئاسة ونظرتها للأطراف التي قد تشكل الحكومة الجديدة. وربما هي رغبة في الاستمرار بنفس التركيبة مع بعض التغييرات في بعض الوزارات التي تلاحقها شبهات وكثر حولها الهمز واللمز ومع انتقال زمام المبادرة من شخصيات حزبية يقترحها كل حزب تنفذ جزءا من برنامج أحزابها الى شخصيات يختارها رئيس الحكومة من الاحزاب يراها قادرة على تنفيذ برنامجه.

والغالب ان هذا الاختيار يعود لرغبة في الاستمرارية وعدم تضييع الوقت في اختيار وزراء يحتاجون الى اشهر للتعرف على وزاراتهم و لوضع خطط عمل

2- بين الرئاسة و البرلمان:

اختلاط مفاهيم "الاجدر والاقدر" طرفان منتخبان انتخابا مباشرا من الشعب: البرلمان ورئيس الجمهورية منح الدستور لكل طرف فرصة لتكوين الحكومة: الاولوية كانت للبرلمان وهي ما يمكن تسميته "حكومة الاجدر" حيث ان الفصل 89 حدد دور الرئيس في تكليف "مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدّد مرة واحدة.

وفي صورة التساوي في عدد المقاعد يُعتمد للتكليف عدد الأصوات المتحصل عليها" في هذه المرحلة ليس للرئيس الا ان يعين مرشح الحزب او الائتلاف ويشارك فقط في التشاور حول تعيين وزير الخارجية ووزير الدفاع "تتكون الحكومة من رئيس ووزراءَ وكتّاب دولة يختارهم رئيس الحكومة وبالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتيْ الخارجية والدفاع."

في حال فشل الحزب او الائتلاف الانتخابي في تشكيل الحكومة يعود الامر للطرف الثاني المنتخب انتخابا مباشرا وهو الرئيس. الفشل في تكوين حكومة الاجدر لا ينسب فقط الى الحزب المقترح للشخصية بل هو فشل لكل المنظومة الحزبية المصعدة في الانتخابات التشريعية واقرار بعدم قدرتها على الوصول الى توافق وعجزها عن تكوين حكومة.

يعني ان الطرف الاول المنتخب انتخابا مباشرا فشل في استكمال معالم النظام السياسي التي بدأت بالقانون الانتخابي فالانتخابات و تنتهي الى تشكيل الحكومة هنا يمنح الدستور الفرصة الى الطرف الثاني المنتخب ايضا وهو شخص و ليس حزبا ليستكمل البناء السياسي"عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر" يصبح الرئيس في هذه المرحلة غير مقيد باختيار الشخصية من ضمن المنظومة الحزبية او وفق الاحجام الانتخابية ويكتفي دستوريا بالزامية "الأقدر.

الشخصية الاقدر ليست بالضرورة نابعة من الاحزاب –ولو كان الامر غير ذلك لتم التنصيص عليها في الدستور- فقد تكون شخصية غير متحزبة وان اسميا وشكليا. ما المقصود بالأقدر؟ ومن اين يأتي الإقدار ان جاز السؤال؟

الاقدر لا تعني بأي حال الاجدر وهذا جوهر الاشكال حيث ان الوعي الانفعالي خلط عن قصد بين الجدارة والإقدار. الاجدر هو الابرز و الأحق وهو الحزب الفائز بأكثر المقاعد و قد حصل على فرصته بل ان كل المنظومة الحزبية هي الاجدر بإدارة البلاد سياسيا اما الاقدر فهي الشخصية التي يتم اقدارها من الطرف الثاني المنتخب من الشعب مباشرة وهو الرئيس في الدستور التونسي والشخصية الاقدر هي التي يتم إقدارها بما لدى الرئيس من شرعية و مشروعية لتكون قادرة على تشكيل حكومة فلا يكون رئيس الجمهورية مجرد ساعي بريد يكلف بمقتضى الدستور بل يصبح جزءا من السلطة التنفيذية و رأس ثان لها عكس مرحلة التكليف الدستوري للحزب او الائتلاف الانتخابي.

3-"الاجدر"

الخوف المشروع ربما هذا ما يجعل الخوف الذي يبديه كثيرون من ان يصبح رئيس الحكومة برتبة وزير أول يأتمر بأمر الرئيس وهو خوف مشروع الى حد ما و كان يمكن تفاديه بان تتنازل الاحزاب عن مغالاتها و اشتراطاتها لتكون الغلبة السياسية للمنظومة الحزبية ان إقدار الرئيس لشخصية يكلفها يجعل من البديهي التنسيق الكلي بين راسي السلطة التنفيذية و يكون على الأحزاب العمل على كبح جماح هذا الوضع الذي وضعت فيه نفسها بإصرارها على الفشل و تخليها عن التفرد بصياغة السياسات العامة الداخلية للبلاد وهو ما يقتضي ضرورة احتضان الحكومة في حال مرورها و تصويب توجهاتها حتى تكون مؤسسة رئاسة الحكومة مستقلة فعليا عن الرئاسة و يكون التنسيق بين قرطاج و القصبة على قاعدة التكامل و التعاون لا التبعية و الاملاءات ان الشد و الجذب بين مؤسسات الحكم الثلاث "قرطاج / باردو / القصبة" ليست الا علامة حياة في جسم يحاول التعافي من الاستبداد و النهج الشمولي و من الطبيعي ان تحاول كل مؤسسة التمدد في مساحة فعل المؤسستين الاخريين متى وجدت فراغات غير مملوءة و الحل يكون في ان تكون الرقابة و دفاع كل مؤسسة عن صلاحيتها و أدوارها دون ترذيل الاخريين او انتهاك سترهما.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات