الدولة الفرنسية لا تنكر جرائمها ولكنها لا تعتذر عنها

Photo

قال الرئيس الفرنسي ماكرون للجزائريين عندما طالبوا رسميا (نوابا ورئيسا) فرنسا بتقديم الاعتذار عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر: "لا إنكار ولا اعتذار...". وهذا يعني أن الدولة الفرنسية لا تنكر جرائمها ولكنها لا تعتذر عنها، مع أنها في المقابل وللمفارقة تتصدر الدول التي ترفع عالميا راية الدفاع عن ضرورة الاعتراف بالمجزرة الأرمنية التي ارتكبتها الدولة العثمانية وتطلب باسم الانسانية من الدولة التركية الاعتذار عنها.

عدم الاعتذار للجزائر يؤشر للتعنت الفرنسي و ما زال يعكر العلاقات الجزائرية الفرنسية ويمنع طي صفحة الماضي الأليم. ومن لم يعتذر لبلد المليون شهيد لن يعتذر طبعا لأبناء شهداء بنزرت (جزارهم يحمل اسمه أحد شوارع العاصمة التونسية) و9 أفريل 1938 واغتيال حشاد وغيرها من الجرائم الاستعمارية وجرائم الحرب منذ 1881.

وإذا كان من حقنا بالتأكيد أن نطالبهم بالاعتذار يبقى من "حقهم" أن يرفضوا ويبصموا بالعشرة على طبعهم الإجرامي والعنصري والاستعماري المتأصل والمتواصل رغم أنف شعار الجمهورية الفرنسية الذي ألهم جميع الشعوب: "حرية، مساواة، إخاء".

للتاريخ، وبعيدا عن السرديات المتحزبة والسياسوية "المتأدلجة" من هذا الطرف أو ذاك، ولأني لم أسمع اسمه في هذا اليوم البرلماني المثير والصاخب ضمن أسماء الزعماء القادة الوطنيين التونسيين:
الزعيم الأول بل الزعيم المؤسس للحركة الوطنية التونسية، بالمعنى السياسي الدقيق للمصطلح (الملتبس لغويا بين الوطن والأمة) بما يعنيه من برنامج وتنظيم وقيادة و"لسان حال" واستمرارية وامتداد في الزمن (المقاومة المسلحة التلقائية "القبلية" للاحتلال الفرنسي سنة 1881 سرعان ما انكسرت) ، هو المحامي علي باش حانبه زعيم حركة "الشباب التونسي" منذ 1906, وهو مؤسس جريدة "التونسي" باللغة الفرنسية سنة 1907 ثم باللغة العربية، وقد كان صادقيا حداثيا فرنكفونيا وإصلاحيا تشاركيا، لكنه دخل سنة 1912 في قطيعة وصدام مع فرنسا التي نفته إثر أحداث مقاطعة الترامواي وقبلها معركة الزلاج، وذلك إلى حين وفاته في منفاه الاختياري باسطنبول سنة1918 مع نهاية الحرب العالمية الاولى.

أما عبد العزيز الثعالبي فقد كان الزعيم الثاني الذي قاد الحركة الوطنية التونسية (مؤقتا في الحقيقة الميدانية)، بعد أربعة عشر عاما من انطلاقتها الأولى، بإصداره كتاب " تونس الشهيدة" (تأليف جماعي لا يخلو من تأثير محمد باش حانبه وكتابه " الشعب التونسي الجزائري وفرنسا" المتضمن لمطلب الاستقلال الذي طرحه الشيخ الزيتوني صالح الشريف منذ 1916) وتأسيسه ورئاسته الحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1920 .

وبعد أربعة عشر عاما أخرى، أي سنة 1934، برز الزعيم الثالث للحركة الوطنية التونسية وهو الحبيب بورقيبة الذي أسس وقاد الحزب الدستوري الجديد باسم "الديوان السياسي" الذي تفوق شعبيا على "اللجنة التنفيذية" القديمة.

وإذا أردنا أن نستكمل أربعة عشر عاما إضافية، فإن الزعيم الرابع هو صالح بن يوسف الذي عزز مكانته في مؤتمر دار سليم سنة 1948 كأمين عام للحزب الدستوري الجديد ثم بعد ذلك كزعيم " الأمانة العامة" الرافضة لاتفاقيات الاستقلال الداخلي سنة 1955، وكم أتمنى شخصيا أن يأخذ اسمه مكان اسم "جزار بنزرت" (شارل ديغول) في ذلك الشارع الهام بتونس العاصمة كشكل من أشكال المصالحة والكرامة الوطنية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات