أمام معادلة واضحة

Photo

بعض الناس لا يملكون شجاعة المواقف الواضحة.. تراهم يلازمون المناطق الوسطى دائما حتى كأنْ لا فرق بين وجوههم وظهورهم... هؤلاء تعلّموا التعبير مع الثورة وخرجوا من جحور كانوا آمنين بداخلها يعاقرون سباتا لذيذا طويلا... وبفضل الثورة صاروا أسودا ضارية وصقورا كاسرة.. تفتح أعينها للشمس.. ولا تخجل…

بعض هؤلاء لا يملكون الشجاعة ليعلنوا اصطفافهم مع حفتر في حربه على الشعب الليبيّ ليكون نسخة ثانية لزميله معمّر القذّافي الذي قامت عليه ثورة 17 فبراير... لأنهم لا يستطيعون دفاعا صريحا عن عسكريّ يحتلّ بلاده بدعم خارجيّ تراهم يُدينون الانحياز وهم في حقيقتهم منحازون…

ليست المساواة بين حفتر وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا حيادا إنما هي انحياز إلى حفتر.. ولكنّه انحياز خافت لا صوت له.. والقول بأنهما "كيف كيف" ليس إلا تعبيرا عن غياب الشجاعة لدى هؤلاء ليعبّروا عن انحيازهم بوضوح.. هم يهربون من الوضوح فيلقون بالكرة في الوسط حتّى لا يتّخذوا موقفا قد يُحسَب عليهم.. لسان حالهم: الطرفان شريكان في السوء.. وهي مغالطة يلوذون بها لتزييف الحقائق…

وهؤلاء هم أنفسهم الذين يقولون: من حقّ الشعب السوري المطالبة بحريته ولكن... وتراهم ينحازون إلى الرئيس السوري بشار الأسد الذي انتفضت عليه جماهير الشعب فسحقها ولم ير مشكلا في تدمير سوريا لأجل المحافظة على كرسيّه... وكان لا بدّ له من دعوى يدّعيها ليردّدها من بعده أعوانه في بلادنا: دعوى أنّه رمز الممانعة ووريثها وإمامها...

وكان لا بدّ من زعم يرفد الدعوى: محاربة الإرهاب والحيلولة دون الدواعش ولفيفهم الإرهابيّ...

وما الإرهاب إلا وجه من وجوهه هو.. وما العمالة إلّا انتصابه حاكما للشعب السوري وريثا لأبيه كأنْ لا ممانع في سوريا غير الأسد وآل الأسد.. باسم الممانعة الجوفاء تحوّلت سوريا إلى نظام سياسيّ لم يقل به أحد من المشتغلين بالفكر السياسي في تاريخ العالَم: مملكة عسكرية وراثية…

الامبريالية والصهيونية العالميتان تتربّصان بالأمّة الدوائر ولكنّهما عجزتا أمام حافظ الأسد وأمام ابنه من بعده!!! إنّ الممانعة لا تعني، لدى هؤلاء، شيئا سوى مناعة كرسيّ الرئيس.. وما الذي يساويه الشعبُ أمام كرسيّ الرئيس؟

لولا الإرهاب في سوريا لما بقي بشار الأسد كل هذا الوقت على كرسيّ الحكم في سوريا بعد قيام ثورة الشعب عليه... ولولا الكيان الصهيونيّ المحتلّ لما ورث بشار الأسد والده حافظ الأسد على حكم سوريا.. وما الذي يضير دولةَ الاحتلال من النظام السوري ما دام أمنها مكفولا والجولان محتلّا؟

النظام السوري في ظاهره ممانع للعدوّ الصهيونيّ أمّا في حقيقته فحليف نموذجيٌّ له.. فهو يكفيهم ما يخشونه من الشعب السوري.. ولا أظنّ أنّ الصهاينة يطربون لشيء طربَهم لشعب عربيّ يُسحق تأتيهم رائحة شواء أبنائه على أيدي حكّامه…

وهل يضيرُ دولةَ الاحتلال أن يحاربها " أعداؤها" بفنون البلاغة والبيان وهم يسحقون شعوبهم تحت البراميل المتفجّرة فيكفونها مؤونة السلاح ومأزق الأخلاق؟ وهل فعلت الأنظمة العربية المتدرّعة بالقومية العربية للأمة شيئا أكثر من الخطب العصماء والبيانات الرنّانة؟ هل فعلوا للأعدء شيئا سوى رمي خصومهم في الفكر والسياسة بالعمالة للعدوّ ليحتكروا هم ممانعة لا دليل عليها؟

ولمّا طفح كيل الشعوب العربية وانتفضت على حكّامها المتماثلين انبرى توابع تلك الأنظمة يصِمون الشعوب بالعمالة والخيانة والإرهاب.. ولأجل الدفاع عن بشار الأسد في سوريا وعن القذافي في ليبيا قيل في ثورات الشعوب العربية إنّها مؤامرة على الأمة... ولو صدق هؤلاء أنفسَهم لعرفوا أن أكبر مؤامرة على الأمة إن هي إلّا هذه الأنظمة المجرمة التي سحقت شعوبها وأفقدت الإنسان كلّ أسباب المناعة.. وانقضّت بكلّ إرهاب الدولة على معارضيها ولم تترك سوى الدمار بديلا لها...

وُوجهت ثورات الربيع العربيّ بجملتين قالهما بن علي في تونس والقذافي في ليبيا ومبارك في مصر وصالح في اليمن وبشار في سوريا.. جملة "أنا أو الفوضى" قيلت للداخل.. وجملة " أنا أو الإخوان" قيلت للخارج... لأنّه لا فرق بين حاكم عربيّ وحاكم عربيّ آخر إلّا في ما يقتضيه التنافس في القمع والكذب...

فأيّ لعنة يمكن أن تصيب الأمةَ أكبر من لعنة هؤلاء الحكام؟

لقد أبدعت شعوب عربية في محاربة جيوش المحتلين وخاضت ملاحم تحرير الأوطان لتحقيق استقلال أوطانها.. ولكنّها مُنيت بحكّام أشدّ من المحتلّين وأنكى.. وأنكد.. فعلوا بها أضعاف ما فعله المحتلّون.. كان تصدّيها للمحتلّين الأجانب نضالا ومقاومة وكان اعتراضُها، مجرّدُ اعتراضِها، على الحكّام المحتلّين المحليّين خيانة وعمالة…

اليوم ترى حنينا مفضوخا، من فاعلين سياسيين متناقضين في الظاهر متحالفين في الواقع، إلى أنظمة القمع المتشابهة.. وإلا ما هو الفرق بين من يحتفي بصورته بين يدي حفتر سفّاح الشعب الليبيّ ومن يحتفي بصورته بين يدي بشار الأسد قاتل الشعب السوري؟

دعك من الخطابات الفارغة والدعاوى الزائفة.. لا اختلاف بين بن علي ومعمّر القذّافي وبشّار الأسد... كل هؤلاء حكّام مجرمون قتَلة لا فرق بينهم... ومن يدافع عن أحد من هؤلاء القتلة فهو مجرم مثلهم.. ولا فرق بين من يشدّ الرحال إلى بشار الأسد لدعم جرائمه ضدّ الشعب السوري وبين من يشدّ الرحال إلى المشير خليفة حفتر لدعمه في حربه على الشعب الليبي…

الحكّام المجرمون الذين دمّروا الأمّة تركوا بيننا ذيولهم تفسد ثورات شعوبنا مثلما كان الاحتلال، من قبل، قد تركهم هم وآباءهم يفسدون ملاحم حروب التحرير…

وَرَثةُ المجرمين مجرمون مثلهم.. أو أكثر.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات