نصيحة لسيادة الرئيس قيس سعيد

Photo

سيدي الرئيس، ما دمت تحصر عداءك في منظومة الحكم (وتحديدا في مجلس النواب) فإنك ستتقاطع موضوعيا مع كل الانقلابيين الذين يقبلون بنظام عسكري ولا يقبلون بافتكاك السلطة منهم أو توزعها على أكثر من مركز لا يضمن مصالحهم المادية والرمزية.

وبصرف النظر عن أداء مجلس النواب (وهو أداء قد يشاركك الكثير من التونسيين في طابعه السلبي) فإن تركيزك على فساد النواب (وبقفزة في الهواء فساد "النظام النيابي" بأكمله، بل فساد منظومة الحكم القائمة على توسط الأحزاب) دون الفساد الذي يخالط سائر مكونات المشهد العام (رجال الأعمال، النقابيون، الإعلام، رواد السفارات، اللوبيات الجهوية والزبونية الخ الخ) يجعلك تلتقي موضوعيا مع هؤلاء كلهم في ضرب الانتقال الديمقراطي وفي نقض أي مجهود حقيقي لمكافحة الفساد.

وبعيدا عن اتهامك بأي ارتباط بأجندات إقليمية (وهو ما أنزهك عنه لغياب أي دليل قاطع على ذلك)، فإن الوهم الذي يحكمك ويزين لك أنك قادر بمشروعك على إعادة مركزة السلطة في قصر قرطاج دون ضرب الحياة الديمقراطية في تونس هو مشروع يحتاج منك إلى مراجعة جذرية. فهذا المشروع- مهما كانت نواياك الحسنة- يتحالف موضوعيا من مشاريع أقوى للانقلاب على الثورة ذاتها وقتل الحياة السياسية في تونس.

ولا شك عندي سيدي الرئيس في أنك تظن نفسك قادرا على توظيف كل خصوم الديمقراطية لتحقيق مشروعك السياسي ثم التخلص منهم (عند قيام نظامك الطوباوي الموعود)، ولا شك عندي أيضا في أنك تريد أن تبلغ التناقضات الداخلية لمنظومة الحكم منتهاها حتى يسهل الانقلاب عليها،

ولكنك سيدي الرئيس ستدخل البلاد بمواقفك الملتبسة في حالة من الفوضى أو الاحتراب التي لن تنفع معها مجازاتك عن "إرادة الشعب" (وكأنه كتلة متجانسة لا تخترقها الاختلافات) ولن تنفعك عندها شعبيتك الموهومة ولا مشروعك السياسي في منع الانقلاب عليك أيضا، لأنك في النهاية- وهو ما لا تريد تصديقه- مجرد حليف صغير في مشروع انقلابي إقليمي سيوظفك إلى حين ولكنه لم يتردد في التخلص منك عندما لا يجد في القوى المجتمعية ما يمنعه من ذلك.

سيدي الرئيس، لقد قبل من هم خير منك نصيحة من هم أسوأ مني، وأرجو أن تقبل نصيحتي لك بتجاوز منطق الانقلاب الناعم على منظومة الحكم، فأنت في النهاية - حتى في صورة نجاحك في ترذيل الحياة الحزبية كلها- لن تفعل غير قتل الحياة السياسية التي هي المشروع الحقيقي لكل من تلتقي معهم الآن موضوعيا- بصرف النظر عن اختلاف مشروعك السياسي عن مشروعهم الانقلابي-

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات