قيس ما قبل خطاب قبلّي ليس هو قيس ما بعد خطاب قبلّي!

Photo

من أسقط ثورة 25 يناير؟ البعض سيقول الحزب الوطني أو العسكر أو السيسي أو الإمارات.. تلك ملاحق شاركت ودعمت وموّلت ثمّ سطت على قمرة القيادة وألغت المجرمين الذين تولّوا كبر الانقلاب! وحدهم محمّد البرادعي وعمرو حمزاوي وحمدين صباحي ورفعت السعيد من شرعنوا للانقلاب وقدّموا اللافتة السّياسيّة التي احتمى بها عسكر السيسي ومال محمّد بن زايد قبل أن يتم طردهم شرّ طردة ويُزجّ بهم في وادي العار السحيق.

إذا لا أحد يتحدّث اليوم عن مكينة التجمّع كقوّة انقلابيّة فاعلة، فليس هو من نادى بإسقاط المجلس التأسيسي، وليس هو من أثّث اعتصام باردو، وليس هو من وضع لائحة الانقلاب ونقاطها التي تصدّرها حلّ المجلس التأسيسي وتصعيد قيادة للبلاد قالوا أنّهم لن يستثنوا منها حزب التكتّل رغم تجاوزاته الكبيرة، وتحدّث بعضهم بشكل خافت عن إمكانيّة إشراك بعض النّهضاويين وقيادات من المؤتمر كأشخاص دون أحزابهم!!! كلّ هذا لم يصدر عن التجمّع وإنّما صدر عن برادعي تونس ورفعت تونس وصباحي تونس، عن الذين بحّت حناجرهم في التحرير كما بحّت حناجرهم في القصبة.

واليوم وبعد خطاب ڨبلي.. ألم نقل منذ الوهلة الأولى أنّ أروع ما يقوم به قيس سعيّد هو حراسته لبوابة القصبة من تسرّب الثّورة المضادّة في نسخها الإقليميّة، وأنّه إن نجح في ذلك يعتبر قد حقّق ما عليه وأكثر، لكن بعض الماكرين مع بعض الأغبياء شرعوا في الحديث عن إنجازات الرئيس والمائة يوم الأولى ولماذا لا يتحرّك ولا يخرج ولا يفعل ولا يتكلّم...

كانت هناك حالة من الفقر المدقع في فهم حقيقة مهام الرئيس الدستوريّة، كلّ ذلك الضغط الأحمق والاستدراج الغبي والمخاتلة الماكرة حوّلت قيس سعيّد من حارس للدستور إلى متحرّش بالدستور، أضف لها تلك الاستعدادات الفطريّة لشخص دخيل على أمعاء السّياسة وأعصابها وأليافها وأبلغ استيعابه كان للجمجمة السّياسيّة وتضاريسها الكبرى، فالرجل لم يشارك في الحكم ولا هو شارك في المعارضة ولا تقلّد أيّا من المناصب ولا احتكّ بالدولة، صفر تجربة، صفر أحزاب، صفر سلطة، صفر مناكفة للسلطة، صفر حياة سياسيّة بأبعادها العمليّة وليس الفرجويّة.

مسألة أخرى هاج وماج الكثير عندما طرحتها مع بعض الأقلام على ندرتها، فقد تأكّد بعد الانطلاق في المشاورات بين فرقاء الانتصار التشريعي ثمّ تجذّر بعد أولى طلعات الرئيس التي سفّه فيها كلّ المنجز الذي أعقب الثّورة وتحدّث بلغة المخلص وليس بلغة المشارك الذي جاء ليضفي أو يحسّن، بل الذي جاء ليؤسّس ويقطع مع "العبث" منذ الترويكا إلى يوم الفتح الأكبر حين اعتلى السدّة..

تأكّد أنّنا بصدد خماسيّة أخرى سياسيّة وباستحقاق، وأنّ البلاد قادمة على دورة متجدّدة من دورات تدعيم الانتقال السّياسي وأنّه من المستحيل المرور بهكذا إخلالات وعاهات ومفارقات وأطماع إلى مباشرة الانتقال الاجتماعي الاقتصادي، وأنّه علينا أن لا نملّ ولا نفزع من الاستغراق في تثبيت محرّك التجربة والاطمئنان النّهائي على سلامته، كما علينا التأكّد من أنّ الإمكانيّات ذليلة جدا أمام الطموحات.. ورغم العناد! ورغم الصّراخ حين قلنا بأنّها تلوح سياسية أخرى بلا ريب، ها نحن نقتحم الشّهر الثّامن بعد محطّة أكتوبر2019 وما زلنا منشغلين بترميم الانتقال السّياسي وسنظلّ كذلك حتى نأمن الانزلاق القاتل.

"..عسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" هذا ما ينسحب على كلمة رئيس الجمهوريّة في مدينة قبلي، يجب أن لا نهرب من وجه الحقائق الى قفاها، لأنّ التّجارب النّاجحة تواجه ولا تتحاشى، تقدّم الأمراض إلى مشرط الطبيب إذا لزم ولا تؤخّرها إلى أجل الهلاك، كانت نتيجة إيجابيّة تلك التي خرجنا بها من قبلي، فالرئيس الصّامت تكلّم والرئيس الغامض تجلّى، قالها مدوية وأعطى جرعات هائلة إلى المجموعات الانقلابيّة التي تحشد لليوم الموعود، وناداهم بصوت قرطاج أنّ ما تدعون إليه ممكنا ويتجانس مع الدستور!

أيّ توضيحات أضفى من ذلك، لقد كان قيس واضحا صريحا كما لم يكن من قبل، هذا رجل لديه استعدادات "أوليّة" لتسخين وتمطيط وتذويب الدستور ثمّ إعادة تشكيله وفق رؤيته القاطعة لدابر الأحزاب ونظام الشراكة المختلط، ومن ثمّ تبريد المنحوت الجديد وتقديمه في شكل مائدة دستوريّة بطعم واحد، حينها يكون قد ذوّب دستورا بنظام مختلط بشراكة ومؤسّسات تراقب بعضها وتمسك التجربة أن تميد بنا، ثمّ أعاد تشكيله في نظام برأس واحد أوحد، يستمع فقط إلى بنات أفكاره وبعض بنات أفكار مستشارته.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات