من أجل هدنة للصّراعات الإيديولوجيّة

Photo

خواطر سياسيّة مباشرة من متابع غير مسيّس ...

وجود الكتلة الدّيمقراطيّة في الحكومة مكسب لمكوّناتها بعد طول تموقع في المعارضة، هي فرصة لاستيعاب منظومة الحكم وتحدّياتها وإكراهاتها والتعرّف على قضايا البلد والملفّات الحارقة من موقع من يمارس الحكم ... لذلك يجب أن تحافظ على هذا المكسب الذي لو وقع استثماره بشكل مسؤول وأخلاقي وبحسّ وطني سيعود بالنّفع على هذه الأحزاب من خلال تطويرها وتطوير برامجها وتوسيع قاعدتها الشّعبيّة وكذلك على البلد بتحقيق مطالبه وتحسين أوضاعه الاجتماعيّة ... المحافظة تقتضي تواصل هذا التّحالف الهشّ بين كلّ مكوّناته وخاصّة حركة النّهضة ...

أصبح للنّهضة معرفة بدواليب الحكم بعد معاشرتها لمنظومة الحكم طيلة هذه السّنوات وقد اتّسم أداؤها بالتّذبذب والتردّد بين المبدئيّة والبراجماتيّة التي اضطرّتها لتنازلات مخلّة لعلّ أبرزها المصادقة على قانون المصالحة الاقتصاديّة بعد عمليّات تعديله ... ومردّ هذا التردّد والتذبذب ما تعيشه هذه الحركة من هواجس والاستهداف في أمنها ووجودها وأجندات استئصالها من الدّاخل والخارج ...

وهي هواجس حقيقيّة تلجئ النّهضة لخيارات قاتلة رمزيّا وأخلاقيّا وسياسيّا ... حيث تجد نفسها بين خيار الاستئصال وخيار التّحالف مع الفساد ... وجودها اليوم ضمن تحالف في جزء مهمّ منه يمثّل شرعيّة ثوريّة مكسب من الفطنة والكياسة السياسيّة أن تحافظ عليه مهما كانت الخلافات الجزئيّة بينها وبين شركائها ... على الأقلّ سيجنّبها العودة للتّحالف من جديد بشكل حصريّ مع مكوّنات المنظومة القديمة التي لم تعبّر عن نزوع لتغيير سياساتها القديمة وأطماعها …

أعلمّ جيّدا أنّ الفصل الحدّي بين منظومة قديمة وأخرى جديدة أو بين ثورة وقوى مضادّة للثّورة أمر غير دقيق في ظلّ تداخل المصالح وتشابك الخطوط والخيوط والاختراقات المتبادلة ... لكن يجب المحافظة على هذا الفصل على مستوى الوعي والوجدان والتّحليل السياسي حتّى تصفو الأوضاع وتسقيم على القيم التي قامت من أجلها الثّورة ...

كلّ هذا يدعو كلّ مكونات الائتلاف الحاكم وأساسا الكتلة الدّيمقراطيّة والنّهضة لتجاوز كلّ خلافاتها وما يهزّ الثّقة بينها من أجل تقوية هذا التّحالف وتجنّب ما يؤدّي لتعفين العلاقات من خطابات متشنّجة واتّهامات متبادلة وترذيل رموزها …

لن نطمع في كتلة تاريخيّة لم تتهيّا بعد شروطها النّفسيّة والفكريّة … لكن نأمل في هدنة إيديولوجيّة لصالح برامج مشتركة تنهض بالتنمية وتخرج البلد من أزمته والجهات المهمّشة والفئات المحرومة من بؤسها وشقائها … فهل أملنا بعيد المنال؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات