الكورونا ونهاية مشروع حفتر في ليبيا

Photo

فرضت التطورات العسكرية الأخيرة في ليبيا مشهدا جديدا يمكن أن نعتبره تحولًا استراتيجيًا في مجريات الصراع داخل ليبيا ستكون له تبعات إقليمية ودولية هامة وحتى نتبين معالم هذا التحول. وجب أن نضع معطيات الميدان على طاولة التفكيك من منطلق السؤال الآتي كيف نفهم الانقلاب في موازين المعركة وما هي سياقاته وتداعياته.

معطيات الميدان

يمكن أن نجمل المعطيات التي بين أيدينا في محاور كبر ى معركة الوطية الأهمية الاستراتيجية العوامل الأجنبية في الصراع الليبي الواقع على الأرض آخذين في الاعتبار تعقيدات المشهد الليبي قبليا وسياسيًا وهو تعقيد يؤثر بشكل واضح على مسار الصراع الليبي وسيرورته.

معركة الوطية

نشير في البداية إلى أن ما يجري حاليا في قاعدة الوطية لم يكن دون سابقة تاريخية إذ حاصر ثوار فجر ليبيا في 2015 هذه القاعدة قبل أن ينتهي الحصار بهدنة انسحب معها ثوار الفجر.

هذا المعطى التاريخي مهم في فهم ما يجري الآن ذلك أنه في ألفين وخمسة عشر كانت قوات فجر ليبيا في قلة من العدد والعتاد ولم يكن لديهم حليف استراتيجي كالحليف التركي حاليا وكانت المعركة في مواجهة قبيلة الزنتان فبدا الصراع كأنه صراع قبلي وليس سياسي عسكري في مواجهة حفتر كما هو الحال الآن هذه المعطيات تغيرت بدخول الحليف التركي وبالتغير الذي شهده الثوار تنظيميا وعدديًا فقوات الوفاق التي تحاصر قاعدة الوطية هي تحت قيادة احد ابرز قادة ثوار السابع عشر من فبراير أسامة الجويلي الذي يعتبر أن مبادئ السابع عشر من فبراير خط أحمر.

وهو قائد تربطه علاقات قرابة دموية بأهالي الزنتان فهم بنو عمومته وهذا هو العامل المشترك بين المعركة الحالية ومعركة ألفين وخمسة عشر ومن المهم الإشارة الى أن الزنتان مدينة منقسمة داخليا بين أنصار حفتر وأنصار الوفاق غير أن بينهما اتفاق عرفي أن لا يتواجهون في المدينة أما خارجها فلكل موقفه وهذا من تعقيدات المشهد الليبي.

هذا الأمر جعل الضغوط على قيادة قوات الوفاق كبيرة دفع بأسامة الجويلي إلى اعلان هدف تحييد الوطية وليس اقتحامها والتحييد هنا يعني ضرب خطوط الامداد لقوات حفتر. وحتى نفهم أهمية التحييد وجب أن نفهم مسار هذه الإمدادات.

تموضع قوات حفتر

تسيطر قوات حفتر على قاعدة الوطية وجنوب طرابلس وطرهونة وهي تسعى لدخول طرابلس وتتلقى إمداداتها من بنغازي عبر قاعدة الجفرة وسط ليبيا ثم عبر قاعدة الوطية وبعدها يتم نقل هذه الإمدادات الى جنوب طرابلس وخط سيرهذه الإمدادات يمتد عبر جنوب سرت وجنوب غربها

هذا الخط الذي يشكل هلالا على طرابلس حتم على قوات التحالف الليبي التركي اعتراض هذه الإمدادات في الصحراء.

في المقابل نجد أن قوات تركية تتمركز عبر بارجتين حربيتين الأولي غرب طرابلس من الزاوية الى حدود تونس البحرية وهي التي تركز قصفها يوميا منذ شهر على قاعدة الوطية بإلاضافة إلى بارجة أخرى بين مصراته وسرت

وقد أسفر الدعم التركي لقوات الوفاق عن تكبيد حفتر خسائر. فادحة فقد فقد في يوم واحد ثلاثة وثمانين عنصرًا من بينهم عشرة من كبار القادة رتبهم تتراوح من عقيد الى لواء ثم كان سقوط المدن الستة وأبرزها سرمان وصبراطة والعجيلات وهو ما ساعد قوات الوفاق على تأمين الحدود الليبية مع تونس وألغى كل تهديدقد يأتي من ناحيتها ولم يبق من أهداف أمام قوات الوفاق وحليفها التركي سوى قاعدة الوطية كهدف عسكري وطرهونة وجنوب طرابلس كهدف مدني وهي الأهداف التي ستكون محور المعارك القادمة علمًا أن هدوءا حذرا شهدته جنوب طرابلس التي يسيطرعليها حفتر بسبب تركيز الهجوم على خطوط الامداد المعادلة الدولية .

كيف نفهم هذاالتحول في مجريات المعركة

بلا شك يبدو الدورالتركي بارزًا للعيان في تغيير موازين القوى وواضح أن الأتراك استغلوا انشغال العالم بأزمة كورونا ليزيدوا من محاصرة قوات حفتر ويحققوا تقدما أكثر في الميدان.

ومن المهم الإشارة الى أن الأتراك يتحركون بضوء أخضر أمريكي ذلك ان امريكا لم تغفر لحفتر استقدام روسيا للمنطقة وهي التي تعد تاريخيا منطقة أمريكية فرنسية إيطالية بريطانية ولم يسبق لاي نظام عسكري اوسياسي في المنطقة ان فتح باب المنطقة للحضور الروسي.

هذا الغضب الامريكي أوجد تفاهما تركيا أمريكيا تجاه الملف الليبي فأفشل الأتراك مفاوضات روسيا لوقف إطلاق النار وقبلها مؤتمر برلين من اجل ايجاد الغطاء السياسي لهجوم عسكري يغير المعادلة على الارض وهو ماتم فعلًا.

هذا التحول أبرز لنا ايضا ضعف موقف حلفاء حفتر من الأطراف الدولية أساسًا مصر والإمارات وبدرجة اقل فرنسا التي يبدو انها أدركت حجم التدخل التركي وتجنبت خوض معركة تراها خاسرة معه وقد يكون اقتصر حضور خبرائها في قاعدة الجفرة البعيدة عن ميدان المعركة.

اما الامارات ومصر فيبدو وضعهم أكثر تعقيدا وسط أنباء عن إبلاغهم لحفتر عجزهم عن المساعدة في ظل الظروف الحالي.

الامارات تبحث من خلال مساعي دبلوماسية أساسًا مع تونس عن حل لهذا المأزق خاصة ما سرب من وجود عناصر اماراتية مصرية محاصرة في قاعدة الوطية.

هذه المساعي الاماراتية اثارت جدلا كبيرا في تونس خاصة بعد تصريحات وزير الدفاع عماد الخزفي التي وصف فيها قوات الوفاق بالمليشيات وهي تصريحات استنكرها رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري في اتصال هاتفي مع رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي واضطر الرئيس قيس سعيد لاعتبارها تصريحات اسىء فهمها في اتصال مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في طرابلس مؤكدا ان تونس تقف مع الشرعية الدولية وان الحل لا يكون الا ليبيا.

ويحتاج الموقف التونسي الى مزيد من الضبط والدقة من اجل الاستفادة من متغيرات المشهد الليبي وضمان امن تونس القومي.

بأي معنى سيكون الحل ليبيا والحقائق على الارض تغيرت تغيرًا جوهريًا وحكومة الوفاق تعتبر ان التفاوض مع حفتر صار من الماضي وحليفها التركي يبدو أكثر اصرارا على حسم المعركة وفرض نفسه فاعلًا محددًا في المنطقة.

أرجح ان العام الحالي سيكون نهاية لمشروع حفتر ومن يقف خلفه لكن كيف يكون المشهد بعد ذلك امر ستكشف عنه قدرة الليبيين على إدارة ما بعد حفتر.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات