عودة الإنسان إلى حضن الطبيعة

Photo

يوميات الحجر (23)

منذ زمن بعيد، تخلّي الإنسان عن بداوته وعن الأرض كموطن رزقه، ليشّد الرحال صوب عالم المدينة بحثا عن واقع متمدّن ومتطور عكس بساطة الريف وشموخ أشجاره وجباله. لكن في ظل هذه الأزمة الوبائية، ودعوة الانسانية الي العودة للبيت على قول الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني، اشتّد الخناق على الأغلب من أفراد الشعب وتحول الحجر الي مصادرة لحقوقهم المدنية وحرياتهم الشخصية، فأصبح همهم الوحيد البحث عن بديل جديد يعانقون فيه الحرية المسلوبة والهروب من الكبت الاجتماعي والنفسي…

هذه المهمة لم تكن عسيرة على من لم يقطع سلفا علاقته بالريف وبجذوره السابقة، فشهدنا خلال الأيام الفارطة هجرة عكسية من المدينة إلى البادية وكأن قدر الإنسان أن يعود إلى الأصل والطبيعة بعدما غرق في مستنقع المدينة وتاه في الزحام الذي أصبح العدو الأول له وطريقه نحو الفناء.

جاءت هذه الجائحة لتعيد طرح الأسئلة الوجودية الحارقة بحياة الإنسان، فالإنسان الذي أصبح عبدا للتلفزيون وللهاتف وكل وسائل التواصل الاجتماعي التي لولا المدينة والتحضر والتقدم العلمي لما كانت له الفرصة للتعرف على كل هذه الأمور بحياته لكن بالمقابل فإن خروجه من البيت وسلكه لطريق عمله أو دراسة أصبح فيه خطورة شديدة على حياته ومعه قد يمثل طريق المرض والموت.

في هذا الظرف الاستثنائي، وجد الإنسان في حضن الطبيعة ملاذا أمنا من شبح الفيروس وفرصة جديدة لإعادة تركيب ذاته المفككة وتعوديها على البساطة كسلاح مؤقت اليوم قد يتحول إلى دائم في ظل التحولات التي تشهدها البشرية والقادمة على مستقبل أكثر غموضا وتشعبا قد تسقط فيه العديد من المفاهيم السياسية والاجتماعية والفكرية....

هذه الفكرة الرومنسية، شملتني كشملت غيري وها أنا الآن، أخط كلماتي ببيتنا الريفي البسيط بعيدا عن الواقع العصري، لكن رغم ذلك فإن أخبار الكورونا لا تفارق مخليتي وتشوش أفكاري المحتاجة لهدنة سلام وإعادة قراءة لحاضرنا البشري والتحضر لمستقبل قادم يشير للعديد من التحولات والسياقات التي بكل تأكيد ستعيد بناء الإنسان الجديد المتصالح مع ذاته والقادر على تحصين نفسه من كل فكرة لا تضع إنسانيته كأولى الأولويات…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات