انشطار الذات او ابو الفتح التونسي

Photo

هناك ظاهرة لا شك ان الجميع قد لاحظها ويمكن ان نُطلِق عليها " ظاهرة ابي الفتح" وتتمثل في انشطار الذات وتقلبها وقفزها من النقيض الي النقيض، او تعايش النقيضين في شخصية واحدة: كأن يكون المرء " محامي اليوسفيين" ثم يقفز الي نداء تونس، او يكون من اشد محاربي الفساد وفي نفس الوقت- تماما كابي الفتح- محام القروي، او يكون مع النداء ثم يتنقل الي سليم ثم يعود للنداء ثم يذهب للشاهد ويصبح مع القروي.

او ان يكون المرء مع الثورة هنا وضدها هناك..او يكون اعلاميا ومُتحيلا وسجينا ويعود اعلاميا يتحدث في السياسة والاخلاق. الامثلة كثيرة. اردت هنا محاولة تفسير الظاهرة اجتماعيا.


1) ابو الفتح الاول: لقد عبر الهمذاني عن أزمته الذاتية التي هي ازمة عصره بشخصية ابي الفتح. في الاوضاع المأزومة تولد الشخصيات المأزومة: انهيار سياسي وتفكك الخلافة وصراع العصبية العربية مع التركية والفارسية.

انقسام السُنّة الي مذاهب اربعة. انقسام الشيعة الي عدة مجموعات. انهيار كامل للسلطة المركزية: اصبحت البصرة في يد ابن رائق وفارس في يد علي بن بوية وخرجت اصبهان والري والموصل والشام ومصر والمغرب من يد الخليفة. ظهور العيارون في العراق والاحداث في الشام. انهيار للقيم والمعايير القديمة: لم يعد النسب اساسا للشرف وانما حل محله المال. في هذا المناخ وُلدت شخصيه ابي الفتح. كان مُنشطرا الي عدّة وجوه: فهو تارة من الاسكندرية (إسكندرية داري**لو قر فيها قراري) وطورا هو من كل مكان (انا من كل غُبار** انا من كل دار).

وتارة هو عبسي النسب وطورا قرشي واخرى رومي قزويني. اما سِنّه فالهمذاني تارة يصفه ب " الشاب" وطورا ب " الفتى" واخرى " فاذا هو شيخنا ابو الفتح الاسكندري". اما اعماله فهي مضرب الامثال: امام جامع في النهار ومزاودي في حانة في الليل..


2) ابو الفتح التونسي: هو أكذب من الاسكندري وذلك لانه هذا الاخير يقول لك صراحة:

الذنب للايام لا لِيَ* فاعتب على صرف الليالي

فان التونسي يقدم لك فتوى " اكراهات/ تكتيك/ سياسة/ مصلحة تونس. ولكن الاسباب واحدة: كلاهما داهمته الاحداث وتغيرت عليه المعايير فطفق يعمل لرزقه كل آلة. فهو مع الثورة ثم مع الباجي ثم عاد للثورة ثم يريد التحالف مع القروي. هو مع سوريا ضد التطبيع ومع الامارات والسيسي ضد الاخوان.

مع الثورة في السودان ضدها في الجزائر معاها في العراق ضدها في لبنان. يطلب ضمانات مع الجملي بدون ضمانات مع الفخفاخ. ضد فرنسا في تونس معاها في ليبيا. ضد الاسلام السياسي في تونس مع الاسلام السياسي في إيران. مع الحداثة في تونس مع الوهابية في السعودية.

الاسكندري والتونسي: كلاهما ممزق نتيجة لانهيار المعايير القديمة وظهور واقع جديد.ازمة الاول ناتجة عن انهيار الخلافة وازمة الثاني ناتجة عن انهيار الدولة " الوطنية". كان الاسكندري.

يرى العيارين والشطار قد اصبحوا اثرياء ووجهاء فاصبح هو يأكل الخبز من الفقه وضرب الدف والغناء،والتونسي يرى سطيش و وشواشة وجلاد " فتوشوش وتجلّد" واصبح يأكل الخبز من الحداثة والثورة ومصلحة تونس والمقاومة ومحاربه الفساد. " اعمل لرزقك كل آلة* ولا تقعدن بكل حالة".

رحم الله ابا الفتح.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات