كيف تنظر 50 وسيلة إعلام عالمية وعربية للانتخابات الرئاسية في تونس؟

Photo

يتميز الاستثناء التونسي الذي يترسخ تباعا بجاذبيته الخاصة، هو الاستثناء الذي حطم فن الاستشراف وعبث بالمقاربات ودفع وسائل اعلام عالمية الى تقديم معطيات متباينة إلى درجة غريبة، ففي متابعة سلطت الضوء على تعاطي 50 وسيلة إعلام مع الانتخابات الرئاسية المنتظرة في تونس لمنتصف سبتمبر، وركزت على المواقع الالكترونية للصحف والقنوات، وكذا التقارير الاخبارية المصورة، متابعة متأنية توصلنا من خلالها الى نتيجة تؤكد أننا بصدد انتخابات متكتمة استعصت على الرصد.

أجريت المتابعة بين 23 أوت إلى 3 سبتمبر، واستهدفت الاخبار حول الانتخابات التونسية عبر 50 وسيلة إعلام دولية وعربية، جل هذه المنابر قدمت معطيات مشوشة لا يمكن البناء عليها بجدية، صحيح ان وسائل الإعلام العالمية لم تتناول الملف التونسي بأشكال عميقة ووفق دراسات مسبقة، لكن هذا لا يمنع الصحفي المختص في الشأن العربي او المغاربي من تقديم وجبة تتماشى وسمعة الموقع.

حتى أن الصحيفة الواحدة فشلت في تقديم مواد متناسقة وغير متضاربة حول حظوظ المترشحين للانتخابات الرئاسية، بعضها يقدم رؤية في هذا المقال يناقضها في مقال غيره ،بل إن العجز عن تقديم رؤية متكاملة وجدناه في المقال الواحد، على غرار جون أفريك التي تباينت رؤيتها عبر مقال تحت عنوان" ما هي فرص فوز الإسلامي عبد الفتاح مورو برئاسة تونس؟، مقال اضطرت فيه الى تقديم فرضيات متناقضة، حين تعرضت الى احتمال فوز مورو بالرئاسية والنهضة بالتشريعيات، وفي نفس المقال طرحت فرضية خروج مورو من الدور الأول!

والأمر هنا لا يتعلق بمرشح مغمور قد تكون المجلة استندت على عنصر المفاجأة في تصعيده وتنزيله، نحن نتحدث عن المرشح الأوفر حظا لعبور الدور الأول، رغم ذلك لم تجازف أي وسيلة إعلام بحسم الأمر وتأهيله إلى الدور الثاني ضمن قراءة موضوعية، حتى ان الكثير من هذه المنابر قدمت قراءات جيدة لكنها عزفت عن التسمية، كي لا تقع في تصورات هشة تنسفها محطة 15 سبتمبر المفخخة.

حتى صحيفة نيويورك تايمز التي لقبت مورو ببتهوفن اللطيف، ووصفته بصاحب الإشعاع الشعبي الرهيب، اختارت الإمساك عن طرح الفرضيات وهي المعروفة بتقديم تصورات واضحة وتفصيلية. هذا التحفظ قابلته صحيفة نيزافيسيمايا الروسية باسلوب توجيهي يشبه اساليب الاعلام العربي، حيث نقلت عن الباحث في جامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية أنه" بناء على وجهات نظر التونسيين، فإن الزبيدي هو الخصم الرئيسي والمحتمل ليوسف الشاهد وهوالوحيد القادر على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، وأن الشاهد الذي انفصل عن النظام وأنشأ حزب تحيا تونس، قد تسبب في إثارة الجدل.

فحكومته لم تنفذ أي إصلاحات، ولم تكافح المشاكل الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد".، لكن الصحيفة الروسية عادت وضمت مورو الى الزبيدي والشاهد حين أكدت أن" أن الشاهد والزبيدي، ونائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو، يعتبرون مترشحين من الوزن الثقيل للسباق الرئاسي".

هذه صحيفة اقرب الى الإعلام الشمولي في نسخته العربية المشوهة، رغم ذلك وبعد أن مالت كل الميل لفائدة الزبيدي عادت وطرحت اسم يوسف الشاهد وعبد الفتاح مورو، وذلك نظرا لصعوبة المشهد التونسي الذي لن تتحكم فيه القوى الخارجية كما يروج البعض، بل ستكون الكلمة الفصل فيه للشعب ليس غيره، وحده من جعل للتجربة التونسية خصوصياتها حتى في الانتخابات، حيث كل وسائل الإعلام المحايدة والمنحازة، النزيهة والمغرضة، تقر بصعوبة المشهد، وتسلم بأن القرار الأخير يعود للمجتمع التونسي.

أقرّ الإعلام العربي المحايد أو المؤيد لتجربة الانتقال الديمقراطي، بصعوبة الاستنتاج واعترف بغموض الصورة، وذهب إلى أنها انتخابات مشوقة ستبوح بأسرارها في آخر مراحل السباق، فيما سقط الإعلام المعادي للثورة في الارتجال والمواقف المتناقضة، مرة يحذر الشعب التونسي من مرشح النهضة ويطالب القوى الاخرى بالتكاتف ضده وإلا فإنه سيستحوذ على منصب الرئاسة، ومرة يسخر من ترشيح النهضة ويصفه بالعبثي ويقدم تزكية مسبقة لوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، الى درجة وصفته بعض المواقع بــ"الفارس الذي يتقدم بخطى ثابتة نحو قرطاج".

ضمن 50 وسيلة إعلام مرئية ومقروءة، وبعد الاطلاع على أكثر من 220 محتوى، عثرنا على 16 مادة بين مقالات وتقارير مصورة وأخبار تشير الى مترشح بعينه تعتقد انه سيفوز بالرئاسة، 6 اكدت ان الزبيدي هو الرئيس، 5 اشارت الى مورو، 3 الى القروي 2 إلى الشاهد، الملفت ان 3 من الخمسة آراء التي رشحت مورو، صادرة عن مواقع معادية لمرشح النهضة بغرض لفت الانتباه والتخويف من مورو والتحشيد ضده. فيما قامت 27 مادة بالإشارة او بالتسمية الصريحة لثنائي الرهان النهائي، كانت فيها الغلبة في الحضور لعبد الفتاح مورو ثم الزبيدي ثم الشاهد، من هذه الآراء 11 ارتأت ان النهائي سيدور بين مورو والزبيدي، 9 رجحت مورو والشاهد، 3 مورو والقروي، 3 الزبيدي والشاهد، 1 القروي والشاهد، 1الزبيدي والقروي.

نادرة هي المواقع التي اعتمدت التسمية المباشرة لفوز هذا المرشح أو ذاك، وعادة ما تستعمل في أخبارها أو تقاريرها عبارات من قبيل "سيجد مرشح النهضة نفسه أمام...وزير الدفاع الذي يحوز على ..سيجد نفسه في الدور الثاني.. الاغلب ان الشاهد سيتمكن من الحشد في الدور الثاني ضد مورو.. الزبيدي والشاهد الأقرب الى الدور الثاني بحكم..".

50 وسيلة إعلام، 220 مادة إعلامية، لم نعثر فيها على مقاربة مقنعة لفوز هذا المرشح أو ذاك، حتى الاحتمالات التي تم تقديمها، كانت تغلب عليها العشوائية والحشو، وتبين ان الناشط او المدون التونس المتابع بدقة لأوضاع البلاد يمكنه تقديم استنتاجات أكثر مصداقية واقل عشوائية.

وحتى نقف على حقيقة المشهد الانتخابي التونسي نسبة الى غيره، و بحكم غياب ما يسمى بالإنتخابات في الدول العربية، قمنا بتسليط الضوء على 10 عينات من الانتخابات التي جرت في دول ديمقراطية، بين أوروبا وأمريكا، كلها إن لم تكن على علم مسبق بالفائز نتيجة تقدمه الكبير في عمليات الاستطلاع، كانت على علم بالثنائي الذي سيراهن بجدية على المنصب الأول في البلاد...وحده الشعب التونسي يعذب الأحزاب والسياسيين، وحده من دون شعوب المعمورة، يعتمد التشويق المنهك للأعصاب.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات