لماذا لم يتخلص البعض من المناشده ومن " المنقذ"؟

Photo

لا ننكر اننا ننقسم الان الي قسمين كبيرين: مناصري الثوره ومُناهضيها. تخلص القسم الاول من عقليه القاصر الذي يناشد والذي ينتظر منقذا وأصبح يؤمن ان الضامن الاول للحريات هو مجموع المواطنين وجمله المؤسسات. اما الفريق الثاني فلم يغادر منزلة الرعيه وسلوكها وإيمانها بالراعي والزعيم.

يعود الخلاف بين الفريقين الي حدث تاريخي فاصل: 17 ديسمبر. حدث وُلِدَ فيه المواطن المسؤول والذي يؤمن بان ارادته هي من يُحدد الاحداث،بينما بقي الاخر يشاهد الاول وينتظر ما ستؤول اليه الامور.

خروج الاول للشارع وتعرٌضه للرصاص ووضع نفسه على حافّة الموت قد وَلّد داخله الارادة التي انتصرت على الخوف البشري الطبيعي من الموت.

هذه الوضعيه القصوى قتلت بداخله "الطفل" الذي ينتظر حامِ و وُلد الراشد الذي لا يثق في غير قراره الواعي والإرادي. نستطيع ان نصف 17 ديسمبر على انها " طقس عبور" من الرعيه المناشده الي المواطنين الذين يختارون وينتخبون ويثورون. عندما تدفع الارادة بالفرد فيتجاوز الخوف من الموت تولد الارادة بوصفها المُحدد الوحيد للأحداث، فيولد المواطن بوصفه فاعلا اجتماعيا وسياسيا.

الفريق الثاني غاب عن طقس العبور فبقي ككهل لا يزال يعيش حاله الطفولة. لقد غلب عليهم الخوف او المصلحة او اللامبالاة فبقوا قاصرين ينتظرون الزعيم او الاب المنقذ.زمانيا ينتمي هؤلاء الي عقليه " الملك الراعي" وهي عقليه لاهوتيه غيبيه نجدها في فكرة المهدي المنتظر. وهي عقليه لا تؤمن بالمساواة بين البشر وإنما ترى ان هناك افراد خارقين اصطفاهم الله لكي يقودوا الجماعه ويخرجونها من المحن.

وقد يعود هذا الاعتقاد تاريخيا الي قياده موسى لأصحابه وإخراجهم من مصر وشقه للبحر. الانتخابات التي يمارسها هذا الكائن والحرية التي ينعم بها ويفتخر لم تكن إلا نتيجة لمغامرة الاول وجسارته.

اما هو فسيموت شيخا قاصرا يناشد وينتظر الاب المُخلِّص. وإذا عرفنا ان الحداثة السياسة قامت حين نشأ الانسان المُريد عرفنا ان الاولين حداثيون رغم انفهم والمتأخرون لاهوتيون سلفيون مهما انكروا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات