قصة عجيبة.. النهضة والرباعي

Photo

أنماط جديدة من المعاملات الغير مألوفة بين العائلات الفكرية، ظواهر غير تقليدية تقوم بها حركة النهضة، في علاقاتها بالمشهد السياسي ، يرى البعض أن سياسات النهضة منفصلة عن مواقف قواعدها تجاه هذه الشخصية أو تلك، هذا الحزب او ذاك، ويرى ان المؤسسات اكثر مرونة من قواعدها في بناء علاقات من خارج الرصيد التقليدي، وان القواعد لا تألف الى مكوناتها ولا تتماهى إلا مع نسيجها، وهذا غير صحيح، يمكن إثبات عكسه فقط من خلال تفاعل قواعد النهضة مع الاعلامية سماح مفتاح، التي حاورت عبير موسي وحمة الهمامي والغرياني بنفس الروح التي حاورت بها الغنوشي وغيره، لم تسجل أي مواقف سلبية ضد الإعلامية المذكورة، بالعكس وحتى قبل حوارها مع الغنوشي، اشادت قطاعات واسعة من قواعد النهضة بأداء الاعلامية حتى وهي تحاور عبير! حتى وهي تحاور الهمامي!

ما يعني ان المزاج العام النهضاوي لا يبحث عن شخصيات تابعة او متعاطفة، بقدر ما يبحث عن شخصيات محايدة تمارس مهامها بمهنية بعيدا عن التلاعب والتآمر والتوصيات الفوقية.

يبدو أن ما تبحث عنه القواعد في شخص سماح بحثت عنه القيادة في شخص العياشي الهمامي وفي شخص بن سدرين وقبلهما في شخص المرزوقي، شخصيات لا تمت للفكر الاسلامي او الاسلاميين بصلة، بل هي قادمة من رحم اليسار وبعضها داكن اليسارية فاقع العلمانية.

فلماذا تركن قواعد وقيادات النهضة الى شخصيات من مدرسة مخالفة تماما، وهل يمكن أن نشهد قواعد حزب العمال تستميت في الدفاع عن تعيين الدكتور أبو يعرب المرزوقي في هذا المنصب او ذاك، هل يمكن ان نرى اليسار يحتشد ويحفز نوابه للتصويت الإيجابي لصالح الأستاذة هند شلبي في مهمة وطنية دقيقة، هل يمكن ان نرى الشيوعية تحتشد خلف شخصية إسلامية وتحشّد لها لتتقلد بعض المناصب الدستورية السامية؟!

إذا كان ذلك من المستحيلات، فلماذا إذا تفعله النهضة؟ ما الذي جعلها توسع من دائرة بحثها عن العصافير النادرة ليشمل كل تونس وكل العائلات الفكرية وكل المشارب وكل الأجيال، ما هي الفلسفة التي حكمت الصراع حول شخصية العياشي الهمامي، كيف تنكر اليسار الى يساره وحال اليمين دون اسقاط اليسار لبعض يساره!!!

تلك ليست خرافة، تلك من اعجازات هذه الثورة المباركة، وتلك من ثقافة الوطنية كقيمة وليست كسلعة، بل تلك هي الثقافة التي تحول بين تونس والمصرنة والسورنة واليمننة.. لقد تحصل العياشي الهمامي على 99% من مصنفات اليسار الصلب، وسقط في 1% مصنف الاستئصال، فهجروه وذهبوا يبحثون عن اليسار "الفالصو" في شخص سناء بن عاشور، التي تملك نسبة1% وتفتقد لنسبة 99%، كان لسان حالهم وهم يعرضون عن العياشي ويقبلون على سناء: ليذهب اليسار الى الجحيم وليذهب انين فلذاته وهم يجودون بأرواحهم في غابات امريكا اللاتينية، ليذهب عرق الفلاحين ودماء العمال الى غياهب النسيان، ليذهب كل ذلك الى العدم، تبا لكل الذين سولت لهم انفسهم بإلقاء سلاح الاستئصال، تبا لقد خانوا المسيرة!

شارك الاسلاميون في تصعيد الرئيس اليساري الى سدة الحكم، بعد ان تبين انه لا يحمل فيروس الاستئصال، صعدوا اليسارية الى رئاسة الهيئة بعد ان تبين أنها خالية من وباء الاستئصال، صعدوا اليساري الى المحكمة الدستورية بعد ثبوت براءته من آفة الاستئصال..

كل الذين لا يحملون جرثومة الاستئصال هم بالضرورة يحملون هرمونات التعايش، وكل الذين يحسنون التعايش، هم مشاريع وطنية ناجحة يمكن الاستثمار فيهم إذا توفرت الكفاءة، تلك هي خلاصة النهضة وقواعدها في التعامل مع الآخر الشريك في الوطن الآخر الشريك في الحياة.

ثم اننا سنخبر أولادنا ليخبروا احفادنا، سنقول لهم أنه طال بنا العمر حتى راينا المنجل يحش اليسار، بينما المسبحة تنجده وتصنع له جسر العبور، سنروي لهم قصة المطرقة التي هدمت الجسر لتقطع الطريق عن موكب اليسار حين كان يتحرك نحو قرطاج، سنخبرهم أن مليار ونصف المليار من المسلمين يدخلون الاسلام باعتناق عقيدة التوحيد، وأن من يدخل في دين اليسار عليه ان يعتنق عقيدة الاستئصال.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات