أي دور لليسار في تونس ؟

Photo

في قراءة تاريخية لطالما مثلت الحركات اليسارية رمزا للثورة و للحركات التحريرية بجميع أصقاع العالم ، منذ الثورة البولشفية بالإتحاد السوفياتي سابقا كان اليسار مصطف جانب الشعوب المضطهدة من الأنظمة الليبرالية بنظامها الرأسمالي المتوحش الطاحن للذات البشرية و ناهب لأحلام الفقراء في بناء حياة سوية و ضامن لأبسط حقوقه.

بترسيخ الشيوعية بروسيا بقيادة لينين و رفاقه ، أصبح الفكر اليساري مرجع لجميع الحركات التحررية ضد القوى الإستعمارية الغاشمة لدول العالم الثالث و ظهرت زعمات جديدة من كاسترو في كوبا إلى شافيز بفنزويلا مرورا بزعماء الجبهة الشعبية بفلسطين في مواجهة غطرسة الصهيونة المغتصبة للأراضي العربية.

وطنيا بتونس ظهرت أولى بوادر اليسار و تعلقت بمجموعة أفاق برسبكتيف بقيادة جلبار نقاش ، لكن يد الاستبداد كانت غاشمة أمام مجموعة من الرفاق أ منوا بهذا التيار الحديث لننتظر سنوات السبعينات و يظهر حزب العمال الشيوعي كأول حركة أو حزب سياسي في تونس كانت السجون و المنافي ملجأ للرفاق و يتواصل حرب المد و الجزر بين اليسار و بورقيبة و من ثمة بن علي الذي عمل على إضعافه من خلال استقطاب بعض من رواده لحضيرة حكوماته المتعاقبة رغم ذلك كانت شعارات الحرية و الكرامة و إسقاط النظام العميل للامبرالية العالمية هدف للزعيم التاريخي حمة الهمامي.

بإندلاع الثورة في تونس و انهيار منظومة الفساد و الخروج من السرية إلى العلن و النور ، كان الاعتقاد في تونس أن حزب العمال الشيوعي بتسميته القديمة أمام فرصة ذهبية قدمت له بتضحيات و دماء المقهورين و الشهداء، سيستغل الفرصة و يقدم نفسه كحزب دولة قادر على البناء و تطبيق برنامجه الاشتراكي بعد أن عانت تونس طويلا لويلات الليبرالية السياسة و الرأسمالية الإقتصادية التى كانت في طور خوصصة مؤسسات العمومية و إستلاء على تونس.

لكن للأسف خرج لنا حمة الهمامي و بقية الرفاق بخطاب خلناه أنتهى و دفن بأروقة الجامعات التونسية، خطاب إيديولوجي مكرر و مؤجج للصراع التاريخي مع حركة النهضة ممثلة الإسلام السياسي بتونس بعد الثورة. خطاب و فكرة لا يمثلان المرحلة التي أصبحت عليها تونس بعد جانفي 2011 ، أين أصبحت سماؤها مليئة بنسائم الحرية و التعددية السياسية و الحزبية و لمكان للإقصاء الفكري و الحزبي.

بنى حزب العمال برنامجه الإنتخابي لإنتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 على مبدأ التضاد و التخويف من حركة النهضة على أساس منهجها الإخواني الحالم بدولة الخلافة و تطبيق الشريعة كدستور و ضرب لأسس الدولة المدنية.

إلا أن هذا الخطاب لم يجد صداه لدى الشارع التونسي الذي سارع لانتخاب حركة النهضة و تتويجها بالزعامة السياسية بتونس بعد الثورة، و تلقي اليسار التونسي لصفعة أولى و جرس إنذار له نتيجة غياب الحرفية في عمله السياسي و تقديم نفسه على أساس نظام بديل لحزب التجمع المنحل.

إثر هذه النكسة جمع اليساريون بمختلف مدارسهم و شكلوا جبهة سياسية أطلق على اسمها الجبهة الشعبية من أجل إفتكاك السلطة في قادم المواعيد الإنتخابية ، إلا أنها واصلت في نفس النهج من خلال مهاجمة النهضة و العمل على تشويهها خاصة إثر إغتيال شكري بلعيد أحد مكوني هذه الجبهة صحبة حمة الهمامي و بقية الرفاق، لتعمل على توجيه إتهام مباشر لحركة النهضة في عملية الإغتيال دون الإنتظار لما تسفر عنه الأبحاث ليصبح بلعيد في ليلة و ضحاها رأس مال بشري من أجل كسب إستعطاف المواطنين و لعب دور الضحية.

لتأتي السقطة الكبرى بوضع اليد مع حزب نداء تونس ممثل التجمع و جلاد الأمس من أجل إسقاط الإسلام السياسي و البحث عن إعادة السيناريو المصري بتونس لتأتي الإنتخابات التشريعية بتونس بهزيمة جديدة لأحفاد ستالين و المساهمة بطريقة مباشرة في عودة المنظومة القديمة بتحالفهم مع حركة نداء تونس بصعود مرشح القوى الديمقراطية و حداثية كما.

أطلق عليه بقطع الطريق أمام صديق الأمس و رفيق الدرب محمد المنصف المرزوقي بدعوة أنه ممثل الإخوان. في قرءاة موضوعية للحياة السياسية في تونس ، أصبح اليسار عدو لنفسه لتركه لثوابته الأساسية من جهة و إستنزاف قواه في حرب خاسرة من جهة أخرى نظرا لتغير المشهد السياسي دوليا و وطنيا و خاصة لذكاء خصمه و تكتيكه الذكي في تلميع صورته و قلب موازين القوى لصالحه رغم الظغوطات التى تعرض لها وطنيا و إقليميا و نجاحه في إظهار نفسه في صورة الحركة المتصالحة مع مفاهيم الدولة المدنية و الحديثة و فصله بين ماهو ديني و سياسي.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات