ذئاب المدينة ..

Photo

كلما أوغلت بحثا في تاريخ هذا الوطن العربي منذ معاهدة سايكس بيكو ، يصعب عليك العثور على معالم دولة حديثة ، ولكن في كل قطعة من هذا المقسم ستجد بلا شك جيوشا سائسة بالنار والحديد ، وجمهورا أثخنته بنادق أشبه في رميها ببنادق الصيد .. تطلق زخات الرصاص بلا رحمة على طائر الحرية أينما حلق باسم الوطن والحدود. في فلسطين ، قام كيان بمنطق معكوس : الجيش نشأ أولا ، ثم قامت الدولة .

وحول فلسطين ، لم ينجح حتى هذا المنطق المعكوس ، الجيش نشأ أولا ، ولم تنشأ بعده دولة !. " حراس المدينة " العربية بعبارة أفلاطون ما كانوا إلا ذئابا ضارية تنهش في جسد شعب مقموع و مهزوم . وتراكم التجارب لديهم أكسبهم حذر الذئاب فسموا انقلاباتهم ثورة ، وجعلوا من عسفهم تطهيرا ، ومن السجن الكبير وطنا ودولة .

ما الذي يحدث في السودان ؟

إنه منطق الجغرافيا السياسية الذي يكتب التاريخ بنفس الحروف التي اعتادها منذ قرن . إنه الجيش العربي يمارس عقيدته الوحيدة التي حفظها منذ قرن : أسوسكم أو أقتلكم من أجل مصلحة القطر والأمة.

إنه المارد الذي يظهر بهيئة المهدي قبل كل انتخابات أو بعدها حتى لا تشوه طهرنا ادرانها . من السذاجة السياسية أن تنظر قوى الحرية والتغيير إلى قادة الانقلاب كشريك ممكن للثورة والتغيير . ومن السذاجة السياسية أيضا أن تنظر إلى تغير جلد الأفعى في العاشر من أفريل كخطوة مظفرة في طريق الثائرين.

عسكر يعلن بلا مواربة إصراره على دور المرتزق الصغير ، ويقدم فروض الولاء للأجنبي بلا خجل ، مع ذلك تفاوضه قوى الثورة حول مستقبل البلد.

دولة بطم طميمها تؤدي التحية العسكرية في شخص برهانها لقاتل الربيع في الجانب الآخر من النيل ، ومع ذلك ترى فيه قوى الثورة شريكا في حلم التغيير .

عسكر يتباهى بعدد جيوشه الثمانية أمام قوى الثورة ، ومع ذلك تخجل هذه الثورة من تسمية المجلس العسكري بالاسم الذي يليق به : نظام البشير بلا عمر البشير .

أي انقلاب هو ضعيف أمام شعبه دون ولاء خارجي ، والمجلس العسكري ما كان له أن يغامر بمواجهة الثوار لولا المباركة الخفية من قبل دول العالم الحر نفسها التي تشجب اليوم مجزرة اعتصام مقر القيادة كما فعلت ذلك وما بالعهد من قدم .

شبح الديموقراطية هو الهاجس الذي تخشاه أنظمتنا الحاكمة والغرب معا .

السيناريو المتوقع هو كما يلي : سيتم اسكات كل نفس ثوري بقوة السلطة الغاشمة مع مر الزمن ، وسيتم ارواء الساحات بدماء الشهداء ، وسيصمت الغرب أو يشجب وفقا للحدث .. وفي نهاية المطاف سيرث برهان عن سلفه السيسي رئاسة الاتحاد الإفريقي . وسيطوى ملف الثورات كما يشتهي الغرب والشرق .

أما السيناريو الثاني فهو انتصار الدم على السيف .. وهذا يتوقف فقط على القدر المبذول من التضحية وعلى قربان الدماء .

الحراك في الجزائر لم يعد مصيره محكوم بعدد الجماهير في ساحة البريد ، بل بمجريات الأحداث في الخرطوم . ومستقبل حفتر لم تعد تحدده نوعية الأسلحة القادمة من أبوظبي وباريس بل مستقبل المجلس العسكري بالسودان. الربيع العربي ستنطفئ أنواره للأبد أو تزهر وروده مستقبلا في كل بلد .

الاحتمال الثالث لا وجود له .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات