أي علاقة بين اغتيال بن يوسف سنة 1961 والخميس الأسود 26 جانفي 1978 ؟

Photo

من الأحداث البارزة التي أسهمت في تصعيد حدة الأزمة بتونس في نهاية 1977 ومزيد توتير العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة الهادي نويرة (وميليشيات الصياح التي كان العديد من عناصرها مسلحا)، هو ما أقدم عليه في أحد نزل سوسة المدعو عبد الله المبروك الورداني، أحد قتلة صالح بن يوسف.

حيث أزبد وعربد مطلقا تهديدا صريحا باغتيال الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد ، ولوّح مستعرضا أمام الملأ بمسدس كان يقول إنه استخدمه في اغتيال صالح بن يوسف معربا عن استعداده لتكرار نفس الجريمة ضد أي خصم أو عدوّ للزعيم بورقيبة مهما كانت منزلته. وقد كان هذا المجرم يتمتع لسنوات عديدة بحصانة سياسية (مع بعض المكافآت والامتيازات) مقابل ما أسداه من خدمات قذرة للنظام لعل أهمها اشتراكه المباشر في عملية القتل الغادرة لصالح بن يوسف في ألمانيا سنة 1961 .

ولم يكن بوسع النقابيين أن يقبلوا مثل هذا التهديد الخطير لرمزهم وزعيمهم الكبير المستهدف من ورائه اتحادهم العتيد واستقلاليته، فكانت ردة فعلهم في مستوى الحدث والتحدي عبر سلسلة من التحركات الاحتجاجية القوية أجبرت السلطات حينها على معاقبة ذلك المتهم الأخرق الذي ورد اسمه بالأمس (وهو متوفي) في لائحة المتهمين باغتيال صالح بن يوسف. وفي هذا السياق نذكر بشهادة النقابي عبد المجيد الصحراوي في ذكرى 26 جانفي 1978 حيث قال ما يلي:

"في نوفمبر 1977 اجتمعت الهيئة الإدارية الموسعة للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وقررت الإضراب العام كامل يوم 9 نوفمبر 1977 احتجاجا على التهديدات بالقتل الموجهة ضد الأخ الحبيب عاشور وضد عدد من النقابيين في الجهة وبالفعل شنّ العمال بهذه الجهة إضرابهم العام يوم 9 نوفمبر 1977 احتجاجا على التهديد باغتيال الزعيم الحبيب عاشور وقد شمل إضراب 9 نوفمبر كل القطاعات وخرجت الجماهير العمالية في مسيرة كبيرة تجوب شوارع مدينة سوسة رافعين الصورة الكبرى للزعيم فرحات حشاد منددين بالإرهاب ومشددين على استقلالية الاتحاد وكرامة العمال.

وقد انطلقت الواقعة بالمقهى العتيق بنزل القصر بسوسة مما خلّف ردود فعل كبيرة بإعلان عدد الإضرابات الاحتجاجية المماثلة في عديد القطاعات والجهات وقد سارعت السلط إلى تطويق الحادثة بالقبض على مطلق التهديد وإحالته على المحكمة حيث نال عبد اللّه المبروك الورداني المتهم بالتهديد بالاغتيال 4 أشهر سجنا." (الشروق 26 جانفي 2014 : في ذكرى 26 جانفي 1978: هل تفتح ملفات الخميس الأسود وتكشف خفايا سقوط 300 شهيد؟).

اخترت زاوية النظر هذه في مقاربة مسألة مشروعية محاكمة قتلة بن يوسف اليوم وجدواها حتى يدرك بعض الأصدقاء أن التكتم على الماضي القريب (دعك من حنبعل والكاهنة وعقبة والسخرية السوداء المخاتلة) لا يمنعه من إعادة فرض نفسه، إن لم يكن عبر الضحية وأهاليها فسيكون عبر الجلاد الذي أفلت من العقاب ومسانديه. ومن يغطي على الجريمة القديمة ويدافع عن مرتكبها يمكن أن يقترف جرائم أشنع في المستقبل.

أما الأصدقاء المؤرخون الذين أعتقد أن الحقيقة وحدها هي التي تهمهم قبل كل شيء، وليس الدفاع عن سمعة زعيم وطني أو الخوف على "الوحدة الوطنية"، فلا أظن أن محاكمة قتلة بن يوسف يمكن أن تزعجهم، لأنهم يعلمون قبل غيرهم أن المحاكم والسلطة القضائية يمكن أن توفر لهم وثائق رسمية وتفتح لهم أرشيفات كان يصعب عليهم النفاذ إليها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات