خواطر : الحصيلة السياسوية لسنة 2015

Photo

كانت سنة 2014 سنة "التغيير" والحملات الإنتخابية و"التكتيك" السياسي والتشويه للخصوم وكالعادة لعب الإعلام "المحايد" دوره في مساندة من أراد أن يساند وتحطيم من أراد أن يحطم. وامتلئت قفة المواطن التونسي بالوعود وانساق الشعب المضلل به وراء الهراء الإنتخابي لعديد الأحزاب والسياسيين وشاركت دول بأكملها في تدعيم إستراتيجياتها وتنفيذ مخططاتها ونظمنا إنتخابات "شفافة" ترتكز أساساً على عنصر التخويف والترهيب والسمسرة السياسية، ونجح من نجح وكان هذا النجاح المبرمج لا يخفى على الكثيرين الذين تابعوا مخطط باريس بين الشيخين برعاية رجل الأعمال ومن وراءهم من دول عظمى ودول ممولة.

فلا غرابة إذاً أن تجد في الخاتمة هذا الثالوث في الحكم، وتم تقاسم ما تبقى من الكعكة. نجح من نجح وتم تأجيل تكوين الحكومة إلى حد إكتمال "النجاح الرئاسي" وواصل الشعب الكريم تصديق الوعود الواهية حيناً والتخمينات المريبة أحياناً وكل ذالك تحت معطى أساسي ألا وهو التخويف من الإرهاب وعبر البعض عن تخوفه من عودة الدكتاتورية وقمع الحريات ولم تكترث تلك الشريحة من الشعب رغم أن مؤشرات الدكتاتورية كانت واضحةً في تصرف بعض "الرموز" وما رمي الملفات في وجه بعض الصحفيين أو توظيف قناة العائلة أو البكاء المسرحي عن من لم يأكل لحماً لمدة أشهر عديدة إلا دليل بسيط، أما عن الحريات فحدث ولا حرج وكان دوماً المبرر هو محاربة الإرهاب.

وعدوا الشعب بمئات الألاف من مواطن الشغل ليستيقظ لاحقاً على قرار حجر التشغيل في الوظيفة العمومية كما أنه لم يرى شيئاً من جلب المليارات من الدولارات والإستثمار في القطاع الخاص للنهوض بالإقتصاد الوطني وتكوين مواطن شغل. وعدوا الشعب بالشفافية فتدنت مرتبة البلد في سلم الشفافية العالمية وأصبح من يقوم بحملة كحملة #حل الدوسي مثلاً متهم بتأليب الإرهاب وممول من طرف دول أجنبية ويحمل أجندة سياسية وأتهم حتى بمحاولة زعزعة الأمن القومي لدول شقيقة.

وعدوا الشعب بفتح ملفات الفساد واقترحوا لاحقاً مشروع قانون المصالحة الإقتصادية والذي كان من شأنه تبييض الفساد والمفسدين لولا التصدي الحاد من طرف بعض منظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية وعدوا الشعب بالإستقرار والقضاء على الإرهاب ليستيقظ على حوارات تلفزية تتطرق إلى مواضيع الأمن الموازي، ليكتشف الصفحات الفايسبوكية المشبوهة التي تتنبأ بالعمليات الإرهابية مسبقاً، ليكتشف تصريحات أشخاصٍ في المجال الإعلامي يدعون إمتلاك وثائق لكشف قتلت الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ثم يصبحون من المختلين عقلياً لتراهم بعد ذلك ابرام عقود تجارية مع الدولة، وأصبح الإرهاب يضرب في باردو وسوسة وشارع محمد الخامس عوضاً عن الشعانبي، وعدوا الشعب بالمشاريع الضخمة والتمويلات الغير مسبوقة فتدنى ترتيب تونس في سلم الإقتراض الدولي ولم يرى الشعب الكريم من تلك الإنجازات غير حبرٍ على ورقٍ كما وعدوا الشعب بإقتصاد مزدهر ومشروع إقتصادي "يدوخ" فكانت نسبة النمو هي الأضعف منذ عقود.

وعدوا الشعب بعلاقات مميزة مع الدول الإقليمية فقمنا بإتفاقيات عسكرية مع قوى عظمى يمكنها تهديد أمن بعض تلك الدول وبعد العويل على خسارة العلاقات مع النظام السوري تردت علاقاتنا الخارجية مع العديد من الدول. في الواقع لم نرى حتى وزارة خارجية قادرة على وضع استراتيجيات أو ضبط العلاقات ولو حتى من أجل إسترجاع صحفيين مفقودين منذ سبتمبر 2014 واكتشفنا تضارب الصلوحيات بين مؤسسة الرئاسة والوزارة إلى حد إلغاء وزير الخارجية وإمضاء الاتفاقيات الدولية من طرف مستشاري الرئيس. وعدوا الشعب بمساعدات الدول الصديقة والشقيقة فأصبح البلد مقبرة للمعدات المستعملة من حافلات خضراء تحترق في الشوارع وطائرات حربية يفوق عمرها الخمسون سنة مقابل المشاركة في ما يسمى بحلف محاربة الإرهاب والغريب أن الشعب الكريم يكتشف ذلك عبر تصريحات مسؤولي دول أجنبية.

وعدوا الشعب بتطبيق الدستور وتوفير الصحة للجميع فأصبح المريض يموت في المستشفى لعدم توفر الكفاءات اللازمة والمعدات في تلك المناطق. وعدوا الشعب بكفاءات يمكنها تكوين أربعة حكومات ليستيقظ الشعب الكريم على إكتشاف وزير خارجية عاجز، على إكتشاف وزير صحة مهتم بالصراعات الشخصية أكثر من أي شيء آخر وينفي في المساء تصريحات الصباح، على إكتشاف وزير شؤون دينية همه الوحيد إختيار الأئمة وتوحيد خطبة صلاة الجمعة عوضاً عن وضع استراتيجيات لمجابهة التطرف، على إكتشاف وزير تنمية وتعاون دولي همه العقود مع البنوك الأجنبية لصياغة مخطط التنمية، وأشرقت شمسنا في باريس وأصبح هولاند ميتران والتصقت أوراق الخطب ببعضها البعض وأخيراً وليس آخراً اصبحنا ننتظر "إتصالات المسؤل الكبير" لأخذ قراراتنا.

القائمة قد تطول ولكن يجب أن لا ننسى شقوق النداء والتي كانت ولا تزال أهم محور يتصدر الإعلام ويمثل الشغل الشاغل لعديد "كفاءات الأربعة حكومات" وأصبح البعض يعتقد أن النداء هو تونس وتونس هي النداء ونشر الغسيل الوسخ في كل المنابر الإعلامية وأكتشف الشعب الكريم البلطجية والهراوات وأصبحنا نهتم إلا بإجتماعات جربة والحمامات، ثم إتصل "المسؤل الكبير" ليوقض الرئيس ويطالبه بمعالجة شقوق النداء عوضاً عن شقوق البلد ولمدة أشهر لم نستمع إلا لمؤتمرات توافقية أو مؤتمرات إنتخابية في حين لم يكن همهم المؤتمرات الإقتصادية أو مؤتمرات لمعالجة معضلة التعليم أو الصحة أو مؤتمرات لمكافحة الإرهاب والفساد، وأقترحت لجنة الثلاثة عشر وإستقال من إستقال، والغريب في الأمر أن الإتهامات بعرقلة المصالح الخارجية للبلاد كانت واضحة وهو ما يمثل خيانةً عظمى وإجراما في حق الوطن إذا تبينت صحتها ولكن "هيبة" الدولة لم تحرك ساكناً.

هذه الحصيلة السياسية لسنة 2015 كما أراها، ولكنني ورغم هذا الفشل الذريع لست بالمحبط لأنني أعلم أن هناك من الأحزاب ومن منظمات المجتمع المدني الوطنية والغيورة والتي توصلت إلى دحر مشروع المصالحة الإقتصادية، كما توصلت إلى إجبار وزير الصناعة والطاقة على التصريح بإلغاء إتفاقية الملح المهينة، كما توصلت إلى كشف عديد الإخلالات وشبهات الفساد في مجال الطاقة والمناجم وساهمت مساهمة فعالة في أشغال مجلس نواب الشعب بمقترحات مدروسة عملية وبناءة . قناعتي راسخة أنه أجلاً أم عاجلاً سيحق الحق ويزهق الباطل وأن تونس الحبيبة ستنتصر بنسائها ورجالها الغيورين والوطنيين على الانتهاز والإنتهازية . في الختام اتمنى للجميع سنة جديدة مباركة وحصيلة سياسية وإقتصادية وإجتماعية جيدة لسنة 2016 .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات