البدايات عبرة للنهايات

Photo

إنّ حصول الخلل في بُعْدِ العبد عن ربّه وإعتقاده الخاطئ وأخطائه وعثراته ناتج عن جهله بربّه ومن تمثّلاته وخواطره وأوهامه ولحظاته وشهواته ولذّاته . فالإشكاليّة الكامنة في أبعاد الإنسان وجودا وحقيقة وغاية مرتبطة بالإعتقاد والفعل ومن البدايات علم النهايات فكما أنّ الأعمال بخواتيمها فالإدراك والوعي والمعنى من البدايات. فكيف تحدّد البدايات صيرورة الكائنات ؟ كيف يؤدي قصور الفهم وقلة العلم إلى محدوديّة الفعل وخيبة المسعى؟

1_ أمّ البدايات:

إنّ البدايات تنبأ بما سيأتي من بعد وتعلن عن النهايات . إنّ لحدث خلق آدم وقعا ما بعديٌا هام لمعالم طريق وصيرورة الكائنات فهي فهما وتعقّلا وإدراكا لمعاني الوجود لمن تذوّق وخبر المعنى لأنّ الحدث أول إبتلاء وتمحيص للذوات العاقلة إزاء الأمر الإلاهي وتبرز فيه تجلّي الحق وتمام عدله وحكمته . * لم تكن إستجابة الملائكة فوريّة فلقد تسألوا عن جدوى خلافة آدم للّه وهم من يسبّحون بحمده ويقدسون له وأعتقدوا بأحقيتهم لأداء وظيفة الخلافة لأن من نسل هذا الوافد الجديد من سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء .

لقد كان تمثّلهم خاطئا رغم حدود علمهم ممّا علّمهم مولاهم من خزائن اللّوح المحفوظ واستدركوا بعد ذلك بقولهم " لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم " بعد ظهور الحقيقة وتبيّنهم المقصد الإلاهي من خلق آدم ومشيئة اللّه العظيم . عجزهم هو منبع أنوارهم. إنه خطأ في التصوّرات تم تصحيحه في المدرسة الإلاهيّة بيداغوجيا المعرفة غيّرت موقف الملائكة من الموقف الخاطئ إلى الموقف الصائب بحصول العلم وتصحيح التمثّلات الخاطئة.

اللّه الحقّ الثابت وغيره متحوّل لا يستقرّ على حال. * أمّا إبليس اللّعين فقد أبى وجادل ربّه بسوء أدب كأنه يعلم وعلمه شامل وتمسّك برأيه مزهوّ بنفسه واهما مستقلاّ عن مولاه ففسق عن أمر ربّه وما علم أنّ حركاته وسكناته هي من اللّه العظيم ولكنه أصرّ وتوجّه بقراره وفعله الإرادي إلى الخطيئة والعصيان وسكن في مساكن الذين ظلموا أنفسهم .

إنّ عجبه منبع ظلمته وما أفاده علمه . فلو استسلم وأطاع مولاه لكان خيرا له وكان أسعد حالا ولكن غلبت عليه شقوته وتمسّك برأيه ولم يرى إلا نفسه فلم ينتقل من الموقف الخطأ إلى الموقف الصائب ولم تنفع معه بيداغوجيا الخطأ فهو عنيد مصرّ على خطأه . *

أمّا آدم عليه السلام لم يدرك المعنى والمغزى من الأمر الإلاهي الذي نهاه من الأكل من الشجرة المحرمة عليه لم يسمع لتوجيهاته وخاب وفشل لغلبة خاطره وشهوته وفتنة عدوّه إبليس اللّعين فانجرف بذلك كله إلى مدارك التّعب والشقاء لتسرّعه وحرصه ونسيانه وقلّة عزمه. اللّه يفعل ما يريد وله المشيئة المطلقة فهو الربّ والكلّ عبيده وعلمه ماض فيهم وحكمته خالدة وإحاطته مطلقة ولا يكسب العبد إلاّ أن يسعى لتحقيق ذاته. فيا سعادة من استسلم لمولاه ورضي بقضائه وقدره وشكر النّعم وصبر عند المحن والبلاء.

2قصور الفهم وحدود الفعل :

المسألة الأساسيّة في الوعي والفهم والإدراك تتمثّل في تبيّن وتمييز صفات الربّ عزّ وجلّ وصفات العبد اذ هما على طرفي نقيض ولا إلتقاء بينهما ندّ لندّ. فاللّه الخالق الرازق والعبد مخلوق مرزوق واللّه الواجد والعبد موجود باللّه كيفما شاء خلقه ثمّ صوّره وركّبه . من صفات اللّه : القوّة القدرة العلم الحكمة الإحاطة العزّة والكبرياء...... فهو القويّ القادر العليم الحكيم المحيط العزيز المتكبّر له الأسماء الحسنى.

والعبد ضعيف تركيبة وأداء وظائف عاجز فهو يعجز في كثير الأحيان إذ هو يقف واجما صامتا مشدوها أمام مرض وموت أهله وأحبابه والمقربّين منه ويعجز أيضا أمام الكوارث الطبيعيّة والأزمات الخاطفة الحادّة وتغيب حكمته وتحضر في بعض المواقف جاهل لا يعلم إلاّ القليل من عالم الشهادة ويغيب الغيب المغيّب عنه ولا يعلمه إلا بعد حدوثه وهو محاط غير محيط بالكون يتأثّر بظروفه البيئيّة والمناخيّة.

ذليل حقير أمام جبروت وقدرة ربّه العظيم إذ لا حول ولا قوّة له حقيقة ومن حضر أجله لا تراه إلا منقادا مستسلما لمصيره المحتوم. إنّ شأن العبد غير شأن الربّ وكلّ مجاله صفاته وأفعاله . وأكيد أنّ الربّ سبحانه لا يُسْأل عمّا يفعل وعباده يُسْألون. إلى جانب أنّ حركات وسكنات العبد المغرور الواهم كلّها بمشيئة اللّه فإبصاره وكذلك تحقيق كل أفعاله الحسيّة والمعنويّة تتّم بتوفيق من اللّه وحوله وقوّته.

عجبت لهذا العبد الآبق عن سيّده كيف يتجرّأ ويغترّ ويعتقد لنفسه مقاما وحالا ورأيا وعلما وهو متحوّل متغيّر لا يثبت على وجهة وقرار دائما في دائرة التّحويل . من مصائب الأقوام والأفراد الجاحدة الناكرة لنعم اللّه وآياته أنها تجهل حقيقة مولاها وحقيقة ذواتها إذ أنّ تصوّراتها الحسيّة والمعنويّة منغمسة بغبش الأحاسيس والمشاعر الماديّة .فإعوجاج وإنحراف أفكارهم وتوجّهاتهم نتيجة خطأ البصر والبصيرة وفساد الفطرة في عالم وجودهم إذ أنّ نواصيهم كاذبة خاطئة.

إنّ حدث خلق آدم أمّ البدايات لمصير الكائنات العاقلة التّي ترتع في فسيح حريّة وجودها وأريحيّة حلم اللّه بها . ومن إعتبر وتذكّر وتدبّر فقد يحصل الإدراك والمعرفة والعلم بإكتساب الحقيقة من معناها حتّى يتبيّن الدّرس القاسي ومعايير العبوديّة الحقّة الصدق والإخلاص تجاه تجليّات الربّ العظيم . فسمفونيّة الكون متناغمة منسجمة مع تجليّات الحقّ سبحانه "كل يسبّح بحمده ".

وعلى العبد حسن الإصغاء والإنصات للإنسجام والتّماهي مع إيقاعها الربّاني فمن تجانس معها وإنسجم فقد جانس بفطرته حقيقة الوجود وحقيقة معناه وأزال تشويه وجوده وحقيقته بغبش حسّه وكثائف الماديّات وظواهر المظاهر. فطوبى لمن استسلم للّه وتواضع وشكر للّه فضله وإنعامه والويل لمن تكبّر وعصى وكفر جاحدا آيات اللّه العليّ العظيم.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات