بدائل ثوريّة

Photo

أغلب المهتمّين بالشّأن العامّ تبدأُ السّياسة لديهم دورانا حول الأفكار و البرامج و الأحلام و الرّؤى.. ثمّ تنتهي دورانا حول السّياسة نفسها.. أي شغفا بالسّياسة في حدّ ذاتها لا بوصفها وسيلة نبني بها أفقا ما للإنسان.. وهو ما يحصل لدى الحزبيّون أيضا أولئك الّذين يبتكرون الحزب كي يكون عنوانًا للقضيّة ثمّ على طول الطّريق إلى القضيّة ينسون القضيّة و يمجّدون الحزب .

في بلاد الشّعوذة.. تصير الوسائل في لحظة نسيان للحقيقة.. أصناما.. وتتحوّل الأهداف إلى سراب منسيّ و ممحُوّ.

لذلك تماما أمارس نقدا ذاتيّا مستمرّا وأنا أدفع عن نفسي عشق السّياسة.. متذكّرا أنّ الهدف هو الحقيقة وليست الفلسفة.. وأنّ الطريق إلى الإنسان لا تختصره السّياسة.. ولذلك قد ألقي بكثير من الكتابات حول السياسة في سلّة المهملات وأندفع في الكلام عن الحبّ وعن الحقيقة والإنسان من باب الحديث اللاسياسي في السّياسة .

ما نحتاجه في هذه البلاد الغارقة في الظّلمات هو أن نفجّر النّور لا أن نلعن الظّلام.. ولن يكون ذلك دون رجالا آخرين.. مختلفين تماما عن السّائد.. رجلا لا تُلهيهم الأماني الدنيويّة وترّهات الواقع اليومي عن تعشّق الحقيقة وتأمّل الأفق البعيد حيث لا بدّ وأن يبزغ الإنسان .

يقيني ثابت ولا نهائي أنّه لكي نغيّر العالم يجب علينا أن نخلق في أنفسنا طرازا جديدا للإنسان.. وأنّه عوض أن تستهلكنا السّياسة علينا أن نخترق الآفاق ونبدع روحانيّة جديدة نؤسّس بها العالم الجديد . ماذا يعني ذلك واقعيّا..؟؟

أعتقد أنّه علينا إبتكار أساليب جديدة.. وتنظيمات جديدة وأهداف جديدة.. أن نصير فلّاحين بروح أخرى : نلقي أجود البذور في التّراب ونمضي صوب أراضٍ جديدة لنزرع فيها آمالا جديدة.. فنحن لن نزرع لنأكل بل لتأكل الأجيال القادمة: إنّنا المخترقون للأزمنة.. وفلّاحوا القيم والأحلام .

لذلك كلّه طعنتُ الأرض برمحٍ لا ينكسر وجعلتُ عليه راية بيضاء ترفرف عاليا.. ودعوت كلّ الأحرار من المثقّفين و الثوريين أن يجتمعوا جميعا خارج الأحزاب والنّقابات ليكون لهم عنوانا واحدا وهدفا أصيلا تجتمع فيه كلّ الأهداف: إنقاذ الرّوح من هاوية غروب الإنسان وشروق الأوثان.

لو كنتُ أكثر وضوحا وأشدّ واقعيّة.. لقلت: أرغب في تأسيس النّواة الأولى لجماعة تدور حول روحانيّة "دار الأرقم بن أبي الأرقم".. أو جماعة الفلاسفة والمثقفين قبل الثورة الفرنسيّة مثلا.. أي الجيل الّذي يكون كالبرق اللّامع الّذي يسبق دوما الغيث المنهمر .

ختاما: إقترحت ولا زلتُ أنادي وحيدا في الصّحاري والجبال والغابات.. إجتمعوا في أيّ مكان وآجمعوا كلّ ذكائكم وثقافتكم وإنسانيّتكم عسى أن تصنعوا من كلّ ذلك حبل النّجاة الّذي سينقذكم وينقذ وطنكم وأبنائكم وأحفادكم من هذه الظّلمة القاتمة لهيمنة صنميّة المادّة وأفول روحانيّة الفكرة .

فهل من مُجيب؟؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات