اضطجع الثّورة عفريت لولبي..
الجماع أنجب بحرا ردمه الزّمن الماكر..
شارع البحر تحدّه شمالا ساعة نحاسية لا تدور كما يدور الزّمن..
أمام برج السّاعة جنوبا
يجثم على صدر تونس بحلم رخامه الورديّ
تمثال الزّعيم الأكبر..
بعض أمتار قبل النّصب على اليمين
يبدأ باتّجاه فرنسا شارع جون جوراس ليل بائعات الحبّ..
غير بعيد وزارة الدّاخلية بعمارة ستالينية الهندسة تحرس الجواد العربيّ المنحور..
وفخامة الرّئيس يمتطي البحر الذي بلعَه خليج تونس..
ضباب الخليج ضارب إلى النّخاع
حيث أنين الثّوّار يتعالى إلى أحشاء سبّاط الظلام
وقهقهات دواميس التّعذيب..
يمتدّ شارع البحر عبر شارع فرنسا بأقواسه الحجريّة الرّماديّة
وحتّى قوس النصر
حيث تبدأ المدينة العتيقة بانعطافها نحو نهج عبد الله قش..
بوسط شارع الدّماء والدّموع باتّجاه الجنوب
تعترضك على اليسار سفارة فرنسا
وكأنّ بجنان نخيلها مشرئبّ الأعناق
تخال نفسك بواحة من واحات الجنوب العتيقة..
أمام سفارة فرنسا تعلو بتكبّر وجبروت
كاتدرائية سان فنسان دي بول بزخرفتها الغوتية الجديدة
هناك من تحت البحر المقتول
انسحب الموج إلى الشّمال بضعة مئات أمتار..
نصب فخامة الزّعيم يواجهه شمالا-جنوبا
نصب بن خلدون باسم كيمياء الأصالة والتّنوير..
رغيف الخبز يتدلّى من بين قضبان حديد سور سفارة فرنسا
والخميس الأسود وثورة الخبز كالعادة دماء مهدورة..
الزّكاة تؤمّنها الكاتدرائية حيث تمسيح الشّباب أصبح موضة
وحركة طلائعيّة..
يعلو من خلف السّفارة شرقا بنهج هولندا
طوابير تأشيرة الحجيج واليأس..
الفصول الأربعة امتزجت بسفارة فرنسا الأزلية..
القسم على العكرية سكر أبديّ
كما شارع البحر العتيق يتجلّى بأحفورة الحداثة الوطنيّة..
مشيا على الأقدام تستطيع السّفر إلى فرنسا
وأنت متّجه إلى سفارة فرنسا جنوبا
حيث يرحّب بك نهج مرسيليا وهو بمثابة ثعبان عجوز
يلتفّ على المدينة والزّائرين..
يمكنك في الأثناء التسوّق بالكوليزي
وعبق الجعّة والخمر إدمان على الحرّية والنصر..
ثلاثة أبواب تقودك إلى قلب الجنّة وكلّها تفتح على فرنسا
اتّبع إصبع الدّليل وتأمّل :
جنوبا شارع باريس بمغازاته الفاخرة ومعهد كارنو مكينة نخب الحداثة
حيث معهد فرنسا يتوَشّح بالأراباسك النّحاسيّة ويتمطّط حتّى سدرة المنتهى..
شارع باريس أفقيّ نحو الغرب
يربط عبر شارع المجاهد الأوحد
شارع قرطاج الذي يفتح شرقا نحو تونس الشّهيدة..
هنا يمكن القول بأنّ امبراطورية فرنسا انصهرت بامبراطورية روما..
وإن أردت قضاء ليلة وردية ترى من خلالها برج إيفل
عليك الإقامة بنزل القدّيس سان جورج وأنت لم تغادر شارع باريس..
عند الغبش مقهى باريس يسحرك بعودة أسراب أهازيج عصافير فرنسا
وهي من تعب السّفر تتدلّى بالشّجر قلائد غامرة
كدروع البوليس والدّبّابات وكتائب العسكر..
تقرع أذنيك أصداء العصافير متردّدة
وكأنّها موج بحر مسلوب بأعماق البالمريوم
البالمريوم الشاهد الموسوم على نزاع العقيد وفخامة الرّئيس العبقريّ..
الحرّية تُرسم بأبواب البالمريوم الثّلاثة كما ثلاثيّة الكوليزي
التي تقودك ببابها الرّئيسيّ مجدّدا إلى شارع الزّعيم الخالد
حيث تفجّر في ليلة حالكة الاحتفاء بنزول الملاك المبشّر..
وفي كلّ ذلك الخيط النّاظم شهوق المسرح البلديّ
يغمرك بورود الأغورا الطّازجة..
نهج شارل دي غول هرج ومرج يعيد للأذهان الشّهيق والنّعيق..
بحر شارع فرنسا لم يعد فقط ممّر غوّاصات وسفن غارقة..
البحر أيّها القدر
قد اغتيل في الظّلام دون شهود عيان ولا شهادة وفاة..
في الفجر أمواج النّسور تهبّ بجذور النّخيل لدفن السّراب في أسفل السّافلين..
فيك البحر يتأجّج أيّها الثّائر على مدار السّاعة
وشارع جيل فيري عيون رماد بحر يلتهب..