سال حبر كثير ولُعاب كثير ومخاوف كثيرة وتساؤلات كثيرة بعد زيارة رئيس الجمهوريَّة لمقر وزارة الدَّاخليَّة في منتصف اللَّيلة الفاصلة بين السَّبت 5 والأحد 6 فيفري 2022..
1ـ أوَّل المسكوت عنه: كسر هيبة الدَّولة وتمريغ شرف وزير ووزارة الدَّاخليَّة ورئاسة حكومة التَّدابير الاستثنائيَّة واللَّجنة العلميَّة في التُّراب، بعد تصريح رئيس الجمهوريَّة بأنَّه اطَّلع على بلاغ وزارة الدَّاخليَّة قبل ساعات بمنع التَّظاهر وبأنَّه لا يرى مانعا من التَّظاهر بل يدعو له بل يعتبره واجبا... في أيِّ دولة تحترم نفسها، يستقيل وزير الدَّاخليَّة ورئيس الحكومة واللَّجنة العلميَّة حالًّا...
2ـ ثاني المسكوت عنه: خلع رئيس الجمهوريَّة لجُبَّة الدَّولة ورغبته في تقمُّص لباس قائد "الثَّورة التَّحريريَّة" (ولم يكن الأوَّل الَّذي يراود نفسه عن لعب دور غير دور منصبه ووظيفته)، بل ومُحرِّض مظاهرات وزعيم طائفة دون أخرى داخل المجتمع، في خرق جسيم لمقتضيات التَّحفُّظ وواجبات الحفاظ على الوحدة الوطنيَّة المناطة برئيس الجمهوريَّة، بل وتبنِّي دعوات فوضويَّة للانقضاض على مؤسَّسات الدَّولة المنشأة دستوريًّا بنفس الدُّستور الَّذي جاء بنفس الرَّئيس والَّذي أقسم على احترامه نفس الرَّئيس... ممَّا يخدم خطط الغرف الخلفيَّة الخفيَّة المظلمة ومساعيها في عزلة رئيس الجمهوريَّة داخليًّا وخارجيًّا ودفعه وحيدا في مواجهة مع الجميع لتهرئته وتهرئة شرعيَّة ومشروعيَّة مؤسَّسات الدَّولة للانقضاض عليه وعليها..
3ـ ثالث المسكوت عنه: زهد رئيس الجمهوريَّة في ممارسة صلاحيَّاته الدُّستوريَّة واختصاصاته السَّامية في رسم وإدارة السِّياسة الخارجيَّة للدَّولة منذ آخر زيارة خارجيَّة للقاهرة منذ 300 يوم في 9 أفريل 2021 عبر مقاطعته للقمَّة الإفريقيَّة الأخيرة الَّتي كانت منعقدة ساعة زيارة منتصف اللَّيل لوزارة الدَّاخليَّة... بالإضافة إلى زُهده في حماية الأمن القومي وتأمين الدِّفاع الوطني، وتجاهله للخرق الجسيم لمجالنا الجوِّيِّ من طرف طائرة عسكريَّة تابعة لسلاح الجوِّ الرُّوسي عبرت مجالنا الجوِّي قادمة من بؤر توتُّر اللَّاذقيَّة والخرطوم وبنغازي باتِّجاه باماكو، واحتمال نقلها لمرتزقة الشَّركة الأمنيَّة والعسكريَّة "فاغنار: المٌقرَّبة من الكرملين، في خرق صارخ لالتزامات تونس الدُّوليَّة والإفريقيَّة لحظر استعمال (وتسهيل عبور) المرتزقة..
4ـ رابع المسكوت عنه: غياب مجلس الوزراء الَّذي لم يجتمع لا الخميس في اجتماعه الدَّوري ولا السَّبت في اجتماع التَّدارك... وغياب "لجنة تشخيص مصلحة النِّظام" بعد ما "أستُقِيلَت" مُديرة الدِّيوان الرِّئاسي والكاتبة العامَّة للَّجنة، وبعد تردُّد انسحاب العميد بن عيسى امتعاضا من فجاجة وخواء دُعاة "البناء القاعدي" الفوضوي لأغلب أعضاء "الهياكل التَّفسيريَّة المُؤقَّتة" و"لجان التَّنسيقيَّات"ورغبة الأستاذ محفوظ في تمايز مشروعه الرّئاسوي "الفوقاني" عن المشروع "التَّحتاني"... فانتصب رئيس الجمهوريَّة في مجلس جديد في حضرة القيادات الأمنيَّة في مكتب وزير الدَّاخليَّة، آخذا بزمام القيادة الميدانيَّة لوزارة الدَّاخليَّة، ومُحوِّلا "مجلس الدَّاخليَّة" لمركز القرار، متجاهلا حتَّى ذكر الحكومة ولا مجلس الوزراء، وكأنَّ "مجلس القيادات الأمنيَّة" هو مركز ثقل الدَّولة الجديد في ذهن الرَّئيس..
5ـ خامس المسكوت عنه: توجيه اتِّهامات للقضاء انطلاقا من وزارة الدَّاخليَّة وزارة الأمن في إهانة صارخة للقضاة وفي توظيف بل انتصار واضح ل"السُّلطة الأمنيَّة" والاستقواء بها على "السُّلطة القضائيَّة"..
6ـ سادس المسكوت عنه: ظهور رئيس الجمهوريَّة في حالة غضب مُخيف وأرق شديد وإرهاق ظاهر، يُعدُّ بنفسه ويراجع "مشروع مرسوم الصُّلح الجبائي" رغم "تقديمه" منذ عقد من الزَّمان ويغرق منذ ستَّة أشهر في تفاصيل التفاصيل وأنَّه هو الدَّولة ولا مؤسَّسات ولا استشارات ولا مراكز دراسات ولا مجال مداولات...
7ـ سابع المسكوت عنه: بروز الجراح الشَّخصيَّة كمحرِّك لبعض قرارات رئيس الجمهوريَّة، ومنها تذكيره بامتعاض شديد إجباره على إمضاء قرار نُقلة "العائلة" (زوجته القاضية الفاضلة) إجراء لإرادة المجلس الأعلى للقضاء ومطالبته المجلس بنوع من المعاملة بالمثل لإجراء إرادة الرَّئيس رغم ما قد يمكن أن تحدثه من آلام للمجلس، متجاهلا قاعدة الرَّأي المطابق باتِّجاه واحد…
8ـ ثامن المسكوت عنه: غياب وزيرة العدل في حكومة التَّدابير الاستثنائيَّ، وبل وغياب الإشارة لتكليفها بإعداد تصوُّر لإصلاح القضاء... بل وغياب حتَّى ذكر مجلس الوزراء... والإعلان أمام "مجلس القيادات الأمنيَّة" عن "مرسوم مُؤقَّت" لحل المجلس الأعلى للقضاء وبدون حتَّى الإشارة على عرضه ل"مُداولة مجلس الوزراء" كما ينصُّ على الأقل شكليًّا الأمر عدد 117 ل 22 سبتمبر 2021 المُثير للجدل... وهي أوَّل مرَّة يستعمل فيها مصطلح "المرسوم المُؤقَّت" وكأنَّه تسليم بفشل مهمَّة وزيرة العدل في حكومة التَّدابير والمرور لمرحلة جديدة.. علما وأنَّ المراسيم كُلُّها مُؤقَّتة بحكم ارتباطها بفترة التَّدابير الاستثنائيَّة، المُؤقَّتة بطبعها، والَّتي تهدف فقط لتأمين العودة السَّريعة للسَّير العادي لدواليب الدَّولة بعد دحر الخطر الدَّاهم على كيان الدَّولة..
9ـ تاسع المسكوت عنه: عزلة رئيس الجمهوريَّة الدُّوليَّة وانقطاعه عن تقارير الدِّيبلوماسيَّة وأجهزة الدَّولة بحجَّة نقده لمن أسماهم "الخونة" الَّذين يوحون للخارج بوجود خطر انحرف دكتاتوري مشيرا لمقال صدر قبل ساعات... في حين أنَّ رئيس الدَّولة يستقي في الأصل المواقف من مصادرها وتقدير المواقف وتبعاتها واستشرافها واستباقها من أجهزة الدَّولة ويناقشها مع فريقه الاستشاري والحكومي في أيِّ دولة تحترم نفسها، ولا يتكشفها ككل النَّاس عندما تُنقل إليه من أنصاره وبرواية أنصاره بعد انتشارها كالهشيم في وسائل التَّواصل الاجتماعي بعد نشرها في كبريات وسائل الإعلام الدُّوليَّة.. فبدى رئيس الجمهوريَّة سجينا لجهات تتلاعب بالمعلومة والتَّحاليل الَّتي تُقدَّم له لغاية في نفس "اليعاقبة" وغيرهم..
10ـ عاشر المسكوت عنه: بدى رئيس الجمهوريَّة متحدِّثا تحت سلطان الغضب المقيت، وتحت تأثير ذهني لبعض المجموعات الفوضويَّة الَّتي دعت للتَّظاهر لتحريف ذكرى الشَّهيد شكري بلعيد لحل المجلس الأعلى للقضاء، فأراد استباقها أو التَّسويق لها وأضرَّ بنفسه وبالدَّولة وبها أيَّما ضرر... فبرزت هيئات ومُنظَّمات عريقة كهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان واتِّحاد الشُّغل وكأنَّها تابعة للقرار السِّياسي لرأس الدَّولة ومُحيطه وأقرب لما يمكن تسميته "الحشد الشَّعبي" وتلبسهيها مواقف ليس مواقفها…