لا احتاج الى مزيد التأكيد على اتجاه قيس سعيد في اغلب خطاباته الى تكرار، نفس المواضيع والمعاني والمفردات و التركيز على مسائل مفضلة لديه (القضاء، سلطة الشعب، الاحتكار، تطهير البلاد… الخ) زيادة على نزعة «افتخارية »و « صدامية » تهيمن عليها المباهاة بأفكاره ومشاريعه مع ازدراء شديد لخصومه و مناوئيه!. ولايبدو في بعض الاحيان ان خطاب اليوم يختلف كثيرا عن خطاب البارحة.
وعلى نفس المنوال، كان الخطاب الذي افتتح به قيس سعيد اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم الخميس 27 جانفي الجاري. فهل يمكن ان يخلو ما يقوله او يعتقده او يدعو اليه من اسباب او بواعث الجدال والخلاف والمنازعة!
بالتأكيد، لا وهو ما يدفعنا الى التساؤل حول « توجيهات »بارزة من خطابه المذكور:
1-يقول «مرة اخرى، انها تدابير استثنائيّة للمرور الى مرحلة مؤسسات مستقرة، مستمرة، على عكس ما يتم الترويج له من قبل من احترفوا الترويج والكذب والافتراء.! « .
ومن ألطاف الله انه لا زال يتذكر ان الامر يتعلق بحالة استثنائيّة. ومهما كان فان الدستور الذي لا زال ساريا (حسبما اكده ايضا) قد نص على انه «يجب ان تهدف هذه التدابير الى تامين عودة السير العادي لدواليب الدولة في اقرب الآجال.! «
2-يقول ايضا «هناك جملة من المشاريع التي سيتم اعدادها قريبا وتتعلق بالمجلس الاعلى للتربية والتعليم. تصور جديد للتربية و التعليم حتى لا نترك التعليم لمن لا يفهم معنى التعليم! «
حقيقة، نحن الذين لم نفهم، ما دخل هذه المشاريع(التي تمثل افكارا شخصية لقيس سعيد) بالحالة الاستثنائيّة وتدابيرها، هل ان حالة الخطر الداهم المهدد لكيان الوطن وامن البلاد و استقلالها يشمل التربية والتعليم و المجلس الأعلى للقضاء والصلح الجزائي والشركات الاهلية…!؟
3-يقول ايضا «هناك فصل بين الوظائف وليس فصل بين السلط، ولا يمكن ان يتحول المشرع الى قاض ولا السلطة التنفيذية ان تجلس على ارائك القضاة، ولا يمكن ايضا للقضاة ان يجلسوا على ارائك المشرع، هناك نص على الجميع ان يطبقوه! «
اين هو ذلك الفصل بعد اجتماع كافة السلطات(بما هي وظائف!) في يد واحدة، واين هذا النص الذي يجب على الجميع ان يطبقوه عدا ما اورده الدستور بشان مبدا الفصل بين السلطات والتوازن بينها!؟
واين هو القاضي الذي جلس على ارائك المشرع بعد ان اصبح الرئيس مشرعا وتحولت السلطات الى وظائف وصار القضاء مضغة في افواه الناس!؟
4-يقول ايضا « حين ارى بعض المظاهر التي فيها تجاوز لن اتردد مع اي كان في تطبيق القانون لانني كما قلتها واكررها مسؤول امام آلله ومسؤول امام الشعب .. يقال القرابة، البعض يتحدث.. لا دخل لاي كان في اي قرار اتخذه! «
منذ ستة اشهر لا نرى اي شريك في اتخاذ القرار، لكن الحديث فيما وراء ذلك من حكم العائلة والاحباب!
هل يمكن ان يكون ذلك ردا شافيا على سيل الحديث المتواتر بشان تأثيرات نادية عكاشة ونوفل سعيد وزوجة الرئيس واختها المحامية عاتكة شبيل وزوج هذه الاخيرة وتوفيق شرف الدين ورضا لينين (المنظر!)… الخ
وماذا عما يقال من وجود صراع داخلي بين اجنحة متعددة وبروز شق عائلي يكبر يوما بعد يوم ويتدخل في التعيينات السياسية و الامنية!؟
5-يورد ايضا « نتائج الاستشارة (الالكترونية) الاولية:
-اي نظام سياسي تفضل؟
82 ٪ النظام الرئاسي 81٪ نظام الاقتراع على الافراد 82٪ سحب الثقة من النواب.
-الاصلاحات التي يجب القيام بها؟
القانون الانتخابي وقانون الاحزاب و الجمعيات و القضاء.
-هل تعتقد ان القضاء يحقق العدالة المنشودة؟
89 ٪ليس لهم ثقة حين يدخلون قصور العدالة!
هذه بعض الارقام وليست مزيفة! «
هذا على الحساب و الطير يغني وجناحه يرد عليه! وان كانت النتائج الاولية لا تبعد كثيرا عن استطلاعات الراي التي تجريها مؤسسة سيغما كونساي.!
لكن، هل من الصدفة ان تتطابق النتائج مع ارادة الرئيس وافكاره!؟ الا يعتبر ذلك مصادرة على المطلوب في استشارة غير مسبوقة لم تمض عليها الا ايام!؟
6-يقول ايضا « ولايقال اننا نتدخل في القضاء! لم ارفع اي قضية ولم اتدخل في القضاء، لكن اعلم جيدا كيف توجه الدعوات.. كيف تتم تبرئة من تدل القرائن كلها على انه متورط ثم بعد ذلك- لان المسرحية سيئة الاخراج-حكم على هذا القاضي او ذاك ثم بعد ذلك الغاء وكان ترتيبا مسبقا للايهام بان هناك قضايا يتم الحسم فيها او هناك عدد من القضاة تتم ملاحقتهم امام المجلس الاعلى للقضاء! «
وحتى يكون الكلام اكثر وضوحا، فان رئيس الجمهورية يشير الى الحكم الصادر عن احدى الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الادارية الذي قضى في 20 جانفي الفارط بإلغاء القرار الصادر عن مجلس القضاء العدلي(احد هياكل المجلس الاعلى للقضاء) بإيقاف القاضي البشير العكرمي عن العمل وما ترتب عنه من احالة ملفه على النيابة العمومية.
وهذا الحكم لا زال قابلا للاستئناف امام الجلسة العامة القضائية بالمحكمة الادارية للنظر وللحسم نهائيا في اسانيده القانونية والواقعية.
ورئيس الجمهورية في حديثه عن تلك القضية قد جمع في آن واحد جملة من المحاذير:
-انتقاد الحكم الصادر بالإلغاء واتهام قضاة المحكمة الادارية الذين اصدروا الحكم.
-اتهام قضاة المحكمة الادارية واعضاء مجلس القضاء العدلي بالتواطئ المسبق واخراج مسرحية يتم بموجبها ايقاف البشير العكرمي عن العمل ثم الغاء القرار لاحقا وتبرئته !
-التدخل في سير القضية التي لم تحسم نهائيا والتأثير على مآلها.
-سلب المعني بالأمر وهو مواطن تونسي من حقوقه المشروعة عند التقاضي واتهامه بالتورط في افعال لا زالت منظورة لدى القضاء مع ما يتضمنه ذلك من اساءة لسمعته وتشهير بشخصه.!
وفي الاخير، ان لم يكن هذا تدخلا في القضاء فماذا يكون!؟ وماذا بقي للسلطة التنفيذية حتى تجلس على ارائك القضاة!؟