حول اغتيال حشاد..

Photo

في مطلع عام 1952 انطلق القمع الاستعماري، وقابلته مقاومة شعبية انطلقت في نسبة كبيرة منها تلقائيا في المدائن والأرياف، ولم تتراخ القوات الاستعمارية خلال ذلك، ونتذكر أنها قامت بتمشيط قرى بكاملها في الوطن القبلي، فضلا عن المحاكمات والتصفيات. هذا معروف.

ومعروف أيضا أنه بعد 10 أشهر من القمع دون تراخ، اغتيل الزعيم النقابي فرحات حشاد. والسؤال الذي يطرح نفسه: أليس من الغريب أن يكون حشاد في طريقه من منزله برادس نحو مقر الاتحاد بالعاصمة،

بدون حتى مرافق، وكان يقود سيارته بمفرده، كما لو أن الجو آمن؟ أضف إلى ذلك لم يكن منزله محروسا حتى من نقابيين؟ ألهذا الحد لم يستشعر أحد خطورة الوضع الذي كانت تمر به البلاد على حشاد نفسه؟

وبعد، فالذين مازالوا يقولون بأن اليد الحمراء هي التي اغتالت فرحات حشاد، أكيد لم يحيّنوا معلوماتهم، مازالوا يعيدون ما سمعوه على عهد بورقيبة في البرامج الإذاعية المعدة لذكرى اغتيال حشاد، كما لو أنها أثبت مما كشفته وثائق الأرشيف الفرنسي نفسه منذ سنوات الآن، وما أصبح من البديهيات أن المخابرات الفرنسية (SDECE) هي التي اغتالت حشاد، ولم تكن عصابة اليد الحمراء المزعومة إلا كذبة للتغطية على من خطط وأعطى الأوامر،

ولم يكن بإمكان المخابرات أن تنفذ لولا الموافقة من أعلى مستوى سياسي. ولم تكن هناك أمامها ممنوعات ولا حدود للتحرك، نتذكر بالمناسبة أن الجيش الفرنسي هو الذي نفذ أول عملية اختطاف طائرة للنقل المدني في التاريخ، وهي الطائرة التي كانت تُقلّ القادة الجزائريين في أكتوبر 1956، وذلك أيضا لم يكن ليتم لولا موافقة عليا. ولعلها مناسبة نتذكر فيها ميتات أخرى لوطنيين مناهضين للاستعمار، في حوادث مريبة، من مات في حادث سيارة، ومن مات في حادث طيارة، ومن مات في قصف باخرة.

وبالعودة إلى اغتيال حشاد، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا صمت رفاق فرحات حشاد عن المطالبة بدمه بعد أن أحرزت تونس على استقلالها؟ كان يمكنهم ذلك خاصة وأنهم في السلطة الجديدة، وزراء ونواب في المجلس التأسيسي، ولا أحد منهم أثار مسألة اغتيال حشاد رغم أن دماءه لم تجفّ آنذاك، ولا أحد منهم تذكره في غير ذكرى اغتياله، ولم يتقدموا بقضية حتى ولو ضد مجهول؟ لماذا التزموا الصمت واكتفوا بتوجيه الإصبع إلى عصابة اليد الحمراء؟ علما وأن الكثير منهم رحلوا قبل أن نعرف أن اليد الحمراء هي غطاء المخابرات الفرنسية. لماذا لم يسألوا ولم يتابعوا الموضوع؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات