الهجرة السرية مؤامرة تحاك ضد السيد الرئيس؟

Photo

هذا تقريبا ما ورد في تصريحات السيد رئيس الجمهورية على إثر زيارته يوم أمس الأحد 2 أوت 2020، لجهتي صفاقس والمهدية وهما الجهتان اللتان سجلتا أعلى الأرقام سواء فيما تعلق بعدد العمليات التي أحبطها الأمن التونسي أو عدد الشبان ا الذين تمكنوا من اجتاز الحدود والوصول الى الشواطئ الايطالية.

السيد رئيس الجمهورية،

ظاهرة "الحرقة "برزت تحديدا في بداية تسعينات القرن الفارط على إثر انضمام ايطاليا إلى فضاء شنغن وفرضها التأشيرة على المواطنين التونسيين. كما شهدت بلادنا بعيد الثورة موجة غير مسبوقة من الهجرة غير النظامية حيث بلغ عدد التونسيين الذين نزلوا جزيرة لمبادوزا وحدها ما يفوق 22 ألف شخصا. ولقد زار المرحوم الباجي قائد السبسي (رئيس الحكومة آنذاك ايطاليا) ولم يشر مطلقا إلى أنها مؤامرة تحاك ضد الثورة كما لم يذهب المختصون أو مناضلو المجتمع المدني هذا المذهب مطلقا.

السيد الرئيس

الهجرة غير النظامية لها أسباب موضوعية وهي إذ تتواصل فلأن سياقاتها ظلت ثابتة تقريبا ... تحدث هذه الموجة الثانية تحديدا لأن الضغط الهجري Pression migratoire لا زال مرتفعا في سياق يزداد فيه الطلب على الهجرة "غير الشرعية" خصوصا وأن الأسباب الموضوعية تلك مستمرة وهي في اعتقادي:

- تنامي أعددا العاطلين عن العمل و يرجح البعض أن يكون الرقم قد بلغ 800 ألف عاطل و ينتظر أن يرتفع أكثر نتيجة الآثار الاقتصادية و الاجتماعية السيئة لجائحة كوفيد ، هذا المناخ "الملائم" استثمره منظمون محترفون حولوا هذه المغامرة القاتلة الى تجارة بالبشر تدر عليهم أربحا طائلة.

- توقف نسب النمو و انحدارها إلى ما تحت الصفر و قد تدرك نسبة ست بالمائة سلبي ،

- تواصل شروخ التفاوت بين الجهات ،

- فقدان المدرسة بريقها في ظل تعطلها كمصعد اجتماعي ينتشل الشباب من مناطق الهشاشة و التهميش ، و أخيرا الإحباط الذي يفترس هؤلاء الشباب وهم يرون حكام بلادهم قد حولوا الفضاء السياسي الى حلبة لصراع ديكة هائجة. (مشهد جميل يبدع في وصفه عالم الانتروبولوجيا الامريكي قييرتز في كتابBali interprétation d`une culture

سيدي الرئيس

يمكن إن نسترسل في ذكر الأسباب الموضوعية الأخرى التي تتعلق بحاجات الاقتصاد الأوروبي والايطالي تحديدا لى يد عاملة غير مختصة وزهيدة يحتاجها سوق العمل في قطاع الفلاحة وبعض الخدمات الأخرى التي أبرزتها جائحة كوفيد على غرار الخدمات الصحية والاجتماعية (رعاية كبار السن والخدمات المنزلية،).

سيدي الرئيس

منذ أكثر من ثلاث عقود تجتاز حدودنا سنويا أكثر من 80 جنسية يحملها شباب قادم من مختلف أنحاء العالم هاربين من الفقر والخصاصة والحرمان، يلاحقون أملا يبدو انه قد تحول الى سراب وكوابيس جعلت المتوسط مقبرة مائية عائمة. في كل ذلك لا أحد تحدث عن مؤامرة ….

طوال هذه الفترة أصدرت الجماعة العلمية في تونس ومنظمات المجتمع المدني مئات الدراسات والتقارير التي تحلل الظاهرة وتقترح حلولا قد تخفف من حدة الظاهرة وتحاصر مخاطرها القاتلة..

يؤسفني سيدي الرئيس أن تذهبوا في تحليل هذه الظاهرة ذلك المذهب.. وقد ذكرني ذلك بما يقوله البعض "العلوم الاجتماعية آش نعملوا بيها؟ " ويبدو ضمنيا أنكم بهذا التصريح تزكون هذا الرأي علاوة على إشارات عديدة صدرت منكم تبخس العلوم الاجتماعية … يمكن أن تكونوا لوامع في تأويل الدستور وهذا اختصاصكم العلمي (وليس السياسي) ولكن تواضع العلماء والرؤساء يحتم عليكم أن تطلعوا على ما يقوله المختصون في مباحث أخرى لا تمتلكونها ولكن تحتاجونها " لتوجيه" السياسات العمومية واتخاذ قرارات مهمة لها أثر عميق على الناس والمحيط…

السيد الرئيس

اقتصار زيارتكم على الجهات الأمنية وحدها تقريبا يعطي انطباعا لدى الناس أنكم في " معالجتكم للظاهرة" تتبنون مقاربة أمنية أثبت أينما تم تبينيها فشلها الذريع فما بالك وقد تم ادراجها في نظرية المؤامرة التي "تشتغل جيدا "هذه الأيام حتى أصبحت ركنا قارا من أركان الخطاب السياسي ببلادنا … ثمة مبادرات أخرى أكثر عمقا وإنسانية وجدوى…

مرة أخرى أعيد القول إن الهجرة غير النظامية لها أسبابها ودوافعها الموضوعية الخالصة وهي ليست مؤامرة تحاك ضدكم.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات