فضيلة الدستور التونسي حفظه الله

Photo

ست سنوات منذ تمّ التوقيع على الدستور التونسي، أكثر من ست سنوات منذ تمّ إسقاط الدستور المصري، أكثر من سبع سنوات على إجهاض مسودّة الدستور اليمني، أكثر من ثماني سنوات وليبيا تترقّب دستور ما بعد شموليّة الفاتح، أكثر من 9 سنوات وسوريا تترقّب النور في آخر النفق الذي سيقود إلى أوّل دستور حرّ في تاريخ سوريا الحضارات ومهبط الرسالات، يمرّ اليوم نصف عقد على دخول الدستور التونسي حيّز الإنتاج، ست سنوات منذ وقّع رئيس الجمهوريّة المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة علي العريّض ورئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر على أهمّ وأكبر وثيقة تعاقد بين المواطنين التونسيّين، بين الدولة والمواطنين، بين المؤسّسات والمؤسّسات، واليوم ها نحن لا نكتفي بالانقياد إلى الدستور بل نشاغبه ونغوص في عمقه ونستنطقه،

ليس ذلك الاستنطاق الأبله البارد الذي طالما قامت به لجان مكلّفة بتحيين الدستور ليتلائم وسنّ الرئيس الجديد ومولُود الرئيس الجديد وعلاقة الرئيس الجديدة مع الزوجة أو مع العشيقة أو مع الدولة الصديقة! لا نستنطق دستورنا لنمدّد أو نؤبّد أو نمهّد الطريق أمام مصيبة أو كارثة أخرى ينوي الرئيس اقترافها تحت جنح التعديلات! ها نحن نستنطق لنستبطن لنستخلص لنستنتج ظاهر النّص وروحه، ثمّ لنستعمل كلّ ذلك الفقه في الاشتباك السّياسي.

خلال اليومين الأخيرين تطرّقت بعض الصحافة العدوّة في بلد شقيق إلى ما أسمتها بمشاكل كبيرة في تونس وحالة من الترقّب المشوب! كما تعرّضت إلى السجال حول الدستور بطريقة سوداء توحي بأنّ الحرب ستندلع بعد ساعة زمن، وهم يدركون أنّها الحرّيّة وأنّ تونس تتوسّع وتتنعّم بإنجازها، يشنّعون بذلك التجاذب الدستوري، وفي أنفسهم يتمنّون يوما من أيام سجالاتنا السّياسيّة، لذلك علينا أن نهتم بتجربتنا ونراقب هذا العداء الزاحف من القصور المعسكرة، وننتبه أكثر لهذه البيادق المتونسة التي تراودنا عن انتقالنا الديمقراطي.

علينا أن نركّز أكثر على ثلثي الكأس الممتلئ، وليس على الثلث الفارغ، دعونا من التفاصيل ومن سلوكات المراهقة البلهاء التي تنط هنا وهناك، آخرها التي اقترفتها حاشية الرئيس قيس سعيّد، دعونا من المسرحيّة السقيمة القديمة التي دارت في قرطاج وأشرفت عليها مخرجة تبدو منقطعة عن عالم الإنس وحتى الجنّ وتلوح خرجت لتوّها من قبو اختبأت فيه ذات ستينات من قرن مضى، دعونا من الاستنساخ المضحك للصّورة الفخّ!

صورة عبد النّاصر التي نصبتها حركة الشّعب ثم استدرجت إليها زعيم النّهضة راشد الغنّوشي، ذلك الكمين الكاريكاتوري الذي استنسخته حاشية الرئيس وأعادوا تنفيذه مع بعض التعديلات الطفيفة، في مقرّ حركة الشّعب استُدرج الغنّوشي ليجلس تحت الفخّ، وفي مقرّ الرئاسة استُدرج الغنّوشي ليجلس قدّام الفخّ، والفارق بسيط.. تلك صورة ناطقة والأخرى صورة جامدة! والصّورة الجامدة وفيّة للفكرة الجامدة، أمّا الصّورة النّاطقة فكان يسعها الصمت كملاذ يسترها من عورة النّطق الأحمق.

دعونا من كلّ تلك التفاصيل فلكلّ جسم عرقه وحاجيّاته البيولوجيّة الخاصّة، وهيا إلى التركيز على المهمّ والأهمّ، لننتبه الآن ودائما إلى الذين يرغبون في ربط الحرّيّة بتعثر إنتاج الفوسفات والحرّيّة بتأخير تشكيل الحكومة والحرّيّة بالسجال حول الدستور و حتى الحرّيّة بسعر الفلفل والحرّيّة بتونس الجويّة وتونس الملاحية والحرّيّة باللحم الركونيكوري الممسوخ المشحون على البلاتوهات الذي يبزّع اللفظ المشين والفعل المهين من على قنوات الصرف التلفزي،

لننتبه لأعداء الثّورة وأعداء الحرّيّة الذين يسوّقون إلى مقاربات العبوديّة والذلّ، كلّما تعثّر المسار أو ارتفعت الأسعار أو انخفض الدّينار، شرعوا في تذكيرنا بزمن العبوديّة وقدّموا لنا خارطة طريق العودة إلى الزريبة، احذروهم فأولئك من صنف الكائنات المدمنة، التي جرّبت العيش في الهواء النقيّ ففشلت، فهي ومنذ توقّفت عن شمّ البكتيريا تراود تونس على العودة إلى المزبلة الدّامية.

علينا أن نفصل بين المنجز والمأمول، نحافظ على منتوج الحرّيّة الثمين وندعم الانتقال السّياسي بما أوتينا ثمّ نخوض معاركنا على الجبهة الاجتماعيّة الاقتصاديّة، فليس من لبيب في هذا الكون يستمع إلى فئران المخابر التي توسوس للمجتمع بما لا يرضي العقل، تهمس في الشعب كشيطان شرير،

تحدّثه بأنّ الدستور والانتخابات وحرّيّة التعبير والفصل بين السلطات كلّها عوامل تسبّبت في غلاء المعيشة، وإذا سألهم الشعب: إذاً ما العمل حتى تعود المعيشة إلى مستوياتها السابقة؟ ابتسموا كالمجانين الأذكياء، وهمسوا بعبارات تقطر دما: لا خيار غير العودة بتونس إلى يوم 16 ديسمبر 2010! أيّها الجبناء! أيّها الأغبياء! لقد أقلع ركب تونس وحثّ السير، أفلتت الخضراء من مناجلكم كما أخطأتها مجانقكم، وهي الآن على بُعد عزيمة وصبر من شاطئ الكبار.. شاطئ الأحرار.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات