ليت الشهداء كانوا معنا يرون ان كرسي الرئاسة متاح نظريا على الأقل للجميع…

Photo

نعيش لحظة فارقة في التاريخ العربي الإسلامي بكل منعرجاته وتفصيلاته العنيفة والدموية التي أربكت ضميرنا الجمعي في علاقته المريضة بالسلطة وأنظمة الحكم منذ اللحظات الأولى لتشكلّ الدولة في الفكر السياسي القديم…

نحن ننتخب من يحكم دون أن نعلم من سيكون مسبقا إلا استقراءا سياسيا نسبيا للمشهد العام... نحن نستوعب مقولات الديقراطية وصندوق الاقتراع والحملات الانتخابية ،، هذه المصطلحات التي كانت ولازالت في غالب أقطار المنطقة كفرا او مغامرة غير محمودة العواقب…

نحن نكسر كل قلاع الشك والرجعية التي كانت تعتبر الشعوب رعيّة صامتة يطعمها الحاكم وتطيعه كالدواب... نحن نستوعب تجربة تكشف لنا في كل مرّة انها ممتعة جدّا وان عواقبها ليست خطرا داهما كما كانوا يقولون لنا…

نحن نعيش ذروة ما وصله عقل سياسي في هذا المنطقة منذ زمن جدال المعتزلة مع المرجئة في مسألة حرّية الإنسان ... ومنذ زمن تمرّد الخوارج على مقولة الفقهاء أن الحاكم يجب ان يكون ضرورة من قريش .... نعيش مرحلة حلمت بها أجيال من المفكرين والمثقفين العرب منذ سنين …

أولائك الذين شيدوا فكرة أن يكون لهذا الإنسان العربي صوت في عالم السياسة المغلق إلا على من يرثون الحكم ملوكية أو ديكتاتورية..

أجيال عانت القمع والتعذيب والقتل والدماء والدموع من البحر إلى البحر على حد عبارة مظفرّ النواب ... سعيد لأن قاطرة التحرر في ربوع القمع وشرق المتوسّط تدفعها أجساد وعقول ودموع التونسيين وأحلامهم وإرادتهم..

أستحضر وانا أتابع انتخابات الرئاسة في تونس شخوصا عظيمة آمنت بالإنسان وحريّة الاختيار، نظّرت للدولة وتكلمت في العدل والحريّة والمسؤوليّة والامانة والعقل والأخلاق...

ليت الكندي والفرابي وغيلان الدمشقي وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبي الحسن الأشعري والباقلاني والرازي كانوا أحياء ليروا أننا نختار حاكما بإرادة الجماهير ... ليت ابن رشد كان حيا وهو المطرود والمحكوم بالاقامة الجبرية كان حيا.

ليت محمد عبد عبده ومحمد بيرم الخامس وعبد الرحمان الكواكبي الذي فضح طبائع الاستبداد كانوا أحياء .... ليت الطاهر الحدّاد وعلي عبد الرازق ينقد نظام الحكم القروسطي كان حيا، ليت محمد عابد الجابري الحالم بتحرر عربي والناقد للعقل العربي كان حيا…

ذلك الساحر أدبا والموجع ألما عبد الرحمان منيف الحالم بعالم بلا سجون و بلا خرائط في هذا الشرق الأصفر يرى شعبا في شرق المتوسّط ينتخب ويترشح للرئاسة دون أن يتبعه الشرطي إلى غرفة نومه…
ليت الشهداء كانوا معنا يرون ان كرسي الرئاسة متاح نظريا على الأقل للجميع…

ليت أولائك العظماء من العرب والمسلمين الذين ناضلوا لآخر قطرة من فكرهم ودمهم أن لا يكون الإنسان العربي في متناول القمع والإستبداد...كانوا معنا لنرى ابتسامتهم وهم يرون بلدا عربيا يستوعب إرادة الشعب وحكم الشعب …

رغم نقائص تجربتنا وبعض من هناتها إلا أن ما يحصل يظل أمرا فارقا في مسار التاريخ في المنطقة التي توجد فيها بلدان قد تلقي عليك القبض لمجرّد التلفظ بكلمة إنتخابات …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات