المسؤول الكبير والوكيل الصغير..

Photo

في لحظة من التجلي، تكلم السبسي دون التقيد بخطابه المعدّ سلفا، وأشار إلى صاحب الأمر الفعلي في بلادنا، الحاكم بأمره ليس هو وإنما هو شخص آخر، في حضرته يتحول الشعب الذي أراد الحياة -مع الأسف- إلى "غبار من بشر" أو رعاع أو رعايا، وهم في كل الحالات لا يساوون شيئا يذكر تقريبا. لأن هناك من هو أهم منهم جميعا -مجتمعين- وله دونهم الحق في محاسبة السبسي، كما لو أنه هو الذي اختاره، وها هو يتصل به ليؤنبه قائلا له "أنت موجود، وهذا يقع؟!".

هذا المتكلم على الطرف الآخر من الهاتف هو -حسب تعبير السبسي- "المسؤول الكبير"، بمعنى أنه أكبر منه هو بطبيعة الحال، وله سلطات أعلى من كل السلطات في بلادنا، من رئاسة الدولة إلى الحكومة إلى البرلمان مجتمعين. ولا يهم في الأثناء من عساه هذا "المسؤول الكبير" سواء كان رئيس دولة عظمى أو وزير خارجيتها أو رئيس مخابراتها، حيث أن السبسي نفسه لم ير ضرورة أن يذكر اسمه قائلا "موش لازم نقول شكون"، المهم في هذا الإطار أن صوته أعلى من المليون والسبعمائة ألف صوت، الذين صوتوا للسبسي، بما في ذلك المليون امرأة زائد الذين قطعوا الطريق على المرزوقي، وها نتبين اليوم أنهم صوتوا لفائدة نفوذ هذا "المسؤول الكبير"، وأما من اعتقدوا أنهم منحوه أصواتهم، إنما هو وكيل صغير، ليس أكثر.

Photo

والحقيقة أن السبسي ليس مبتدعا هنا، وإنما هو سار على نفس النهج الذي سار عليه قبله المخلوع، وقبله بورقيبة. الفرق أنهما كانا لا يعلنان خضوعهما لسلف أو أسلاف "المسؤول الكبير" هذا، ولم يجدا ضرورة الإعلان عن ذلك، خلاف السبسي الذي من المفترض خلافا لهما أنه يستند على شرعية ديمقراطية، وأنه كان بإمكانه أن يستظهر بها، ولكن يتبين بالفعل أن من يتحكم في التمويل هو الذي يحدد السياسات والتوجهات وقد يتدخل حتى في التفاصيل الصغيرة، من نوع خلاف داخل حزب سياسي، وإذ فعل ذلك فما المانع أن لا يتدخل بين حزب وحزب آخر في هذا الاتجاه أو ذاك. وعلى أية حال فوجود "المسؤول الكبير" عامل يمكن أن يفسر اختيار السياسات المتبعة خلال السنة المنقضية، كما نفهم من خلاله عدم الالتزام بالبرامج الانتخابية وغيرها من التعهدات التي قدمت للناخبين.

عندما يمسك السماعة مسؤول كبير وهو جالس بمكتبه على بعد آلاف الكيلومترات ويكون سؤاله بمثابة الأمر الواجب التنفيذ، ما الذي يبقى من هيبة الدولة إذن؟ وهل يبقى للسيادة الوطنية من معنى؟ وهل يمكن الحديث عن استقلالية القرار الوطني؟ وأي إحساس آخر يمكن أن نعبر به غير القول: هزلت. هزلت الديمقراطية عندما تقود إلى التبعية، وهزلت الدولة، وهزلت السياسة والطبقة السياسية برمتها. بلادنا في حاجة إلى جيل جديد من السياسيين الذين يجسدون المعنى الحقيقي للإرادة الشعبية وللاستقلالية القرار الوطني.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Chiheb Boughedir
12/07/2015 20:10
Je voudrai juste observer que notre cher ami et collaborateur, Si Mohamed, n' a pas le sarcasme facile, à cause de sa pudeur naturelle, néanmoins, son ironie fait mouche et demeure percutante parce que subtile, intelligente et tout à fait adaptée au sujet, assez léger d'une part et gravissime d'autre part!