إلى السيّد رئيس الجمهورية وبقية المسؤولين وكلّ من يعنيهم أمر البلاد:

الرجاء احترام الشعب…

-احترموا الشعب الذي بصدد ممارسته للحرّية ولا تضعوا أمامه العراقيل.

-احترموا هذا الشعب الذي وهب جميعكم الحريّة الفعلية…

- احترموا ارادته وطموحاته التي عبّر عنها في انتخابات 2019...إن كنتم تؤمنون بهذه الطريقة في الاختيار…

- احترموه وابحثوا له عن حلول فعلية للخروج من التبعية بعيدا عن الصراعات السلطوية المضحكة والتي انتهت صلوحياتها وبعيدا عن غرائز التحكم والتسلّط المقرفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع …

أنظروا بجدّية واحترام للمستوى الذي هو عليه شعبنا اليوم... المستوى الذي يتجاوز بأشواط ما يجول في خواطركم وفي صدارة اهتماماتكم …

لكم في مجتمعنا بشر يفكر يطلب منكم حلولا لمصائبه ومشاكله التي يتخبّط فيها منذ عقود من الزمن وثار وضحّى من أجل تحقيق أهدافه وأحلامه وحاجياته الفعلية ولا تهمّه مناصبكم ولا يعنيهم حدود حكمكم.

الحاكم الفعلي هو من يحمل مشاغل شعبه وليست مشاغله مع المناصب ومع خصومه. الحاكم الفعلي هو من يفكر في حلول للمجتمع وليس في حلول لمشاكله الخاصّة والخصوصية. الرجاء وكل الرجاء احترام هذا الشعب...شعبنا هذا بإمكانه دخول القرن الواحد والعشرين بكل فخر وبكل اعتزاز فلا تخذلوه ولا تبيعوه..

-احترموه واحترموه ثمّ احترموه. لذلك أنا كلّ يوم يزداد افتخاري وحبّي لوطني. كلّ يوم أرى وأقرأ وأسمع:

-1- كريكاتور في أشكال وألوان مختلفة وفي كل المواضيع...وهذا ثقافيا يسمّى إبداع.

-2- أشعار وقصص ونــوادر وتنبيرات و حكايات من الماضي وأخرى عن الحاضر...وهذا ثقافيا يسمّى كذلك إبداع.

تعليقات على السياسة والسياسيين...تعليقات على الاقتصاد والاقتصاديين...تعليقات على الفساد والمفسدين...تعليقات على خروقات المسؤولين، كل المسؤولين من أسفل الهرم إلى أعلى الإداريين، تحمل معها الصائب وتحمل الخائب...تأتي معها بالحقائق الدامغة، كما تأتي معها بالتشويهات المغرضة...تزخر بالشكر وبالقدح...بالصدق وبالكذب... بالحب الصادق وبالحقد المقرف الدفين.

كلّ هذا لعمري يسمّى هو الآخر إبداع، مهما كانت المحتويات ومهما اختلفت المضامين.

شعب ينتج يوميا إبداعات مختلفة ومتنوّعة هو شعب أبى إلاّ أن ينفض الغبار المتراكم عليه منذ عقود ومنذ قرون من الأزمنة الغابرة. هو شعب يرفض الخنوع للعبودية ويرفض الركوع للسيّد الفاتق الناطق ويرفض الانصياع للقائد والخضوع للسلطان.

- مئات من التونسيين فكّروا وكتبوا ونشروا ووزّعوا خلال العشر سنوات أكثر مرّة ونصف المرّة ما كُتِبَ خلال القرنين الماضيين.

- مئات من التونسيين فكّروا وأنتجوا أفلاما ومسرحيات ورسموا مئات اللوحات الحرة وتغنّوا بمئات الأغاني تفوق في جرأتها بعشرات المرّات ما أنجز خلال قرون مضت.

شعب كهذا، هو بالتأكيد ودون جدال، رغم كلّ التشويهات ورغم التشكيك الممنهج والمبرمج، شعب يفكّر، يستنبط يتحرّك، إذن هو حيّ.

وبما أنّه يوجد في صلب الشعوب الحيّة الجيّد والسيّئ المُصلح والفاسد، الثقة والسارق،الصادق والكاذب...الخ الخ. وذلك لسبب بسيط هو أنّ كلّ تلك المتناقضات ضرورة حياتية ومسائل بديهية وطبيعية للغاية وتفاعلاتها أساسية من أجل البقاء، شأنها في ذلك شأن ما يوجد في كل الأجساد الحيّة.

إذن لا غرابة من وجود تلك الظواهر المتنوّعة صلب شعبنا. ومن يضخّمها فإمّا عن جهل أو لغاية بث البلبلة وتشتيت الرؤى خدمة لأغراض معادية للوطن.

المحدّد في التقدّم والتخلّف ليس في الثراء وتكديس الأموال وليس في الثروات الطبيعية الريعية المهدورة وليس في البذخ المفتعل وفي المظاهر الكاذبة، بل في وجود الحرّية أو في غيابها. بذلك وأساسا بذلك تقدّمت الشعوب الحيّة التي اليوم نشاهدها ونتمعّش بفضل هِباتها وتسوّلنا منها ولها.

الفرق بين مجتمعات مبدعة ومتقدّمة وأخرى متخلّفة مكبوتة ومُستَعبَدَةٌ مهما كانت ثرواتها وأموالها هي أنّ الأولى تعيش الحرية بجميع ميزاتها وفوائدها ومستخرجاتها والثانية تقتات بفضل مِنّــة حكّــامها المستبدّون خاضعة مستكينة، تعيش تحت رحمة سياط عبوديته. دون كرامة، فاقدة لحرياتها أولى مقوّمات الوجود الفعلية...

لذلك وبما أنّ كلّ ما ذكر من اجتهادات وإبداعات التونسيين خلال السنوات العشر هي بالضرورة مكاسب تحدّد تَمَوْقع الشعب وتنير له سبل المستقبل المشرق النيّر تندرج حتما في خانة الحرّيات التي تنعم بشبيهاتها المجتمعات المتقدّمة الواعدة. حيث وكما هو معلوم بفضل الحرية تبنى الديمقراطية الحقّة أي بالحرية. تبنى مؤسسات الدولة الحديثة التي نفتقدها ولم نعشها إلى حد الآن.

إنّما المفارقة العجيبة هي في تخلّف، بل ربّما في غياب النخب الضرورية القادرة على تنمية وتجسيد هذا الوعي وعلى تفعيل هذه القدرات المنتشرة هنا وهناك والتي بإمكانها بناء تونس الأفضل.

في انتظار ميلاد تلك النخب، أنا لست متفائلا وحسب بل أنا فخور بانتمائي لهذا الوطن وسعيد لأنّني عشت اللحظة التي شاهدت وقرأت واستمعت فيها إلى التونسيين وهم يفكرون، يكتبون،ينشرون، يوزّعون أي يبدعون وكأنّهم بإبداعاتهم تلك يذكروننا ويذكّرون العالم بأسره بأنّهم شعب عاد من بعيد… عاد من سحيق رماد الماضي الغابر كما يعود طائر الفينيق Phenix

لكم يا أبناء هذا الوطن الحي كل المحبّة والتقدير… عاشت تونس عزيزة أبيّة وليخسأ الخاسئون.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات